مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


الاعلان العالمي واشكاليات الموائمة بين المدارس الفكرية

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


05/11/2021 القراءات: 3763  


شهدت مرحلة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، اثناء النقاشات التي كانت تتم للتحضير له كان هناك الكثير من تبادل الاتهامات بين المعسكر الشيوعي والرأسمالي على صياغات الإعلان العالمي نفسه وعلى الكثير من القضايا الجوهرية المتصلة به الى الحد الذي كان البعض يعتقد انه من غير المتصور الانتهاء الى إقرار صيغة تحض بقول هذه الدول، ومما زاد من تعقيد المشهد ان الكثير من الملاحظات التي طرحتها الدول اثناء مناقشة المبادئ العامة التي سيتضمنها الإعلان كانت تخص قضايا جوهرية وتمس الجوانب الأساسية للحقوق محل البحث في اطار الإعلان، وحاولت كل مدرسة ان تتمسك بثوابتها ورؤيتها الخاصة بها تجاه الطرف الاخر، ومن ضمن الإشكاليات التي ثارت في المرحلة التحضيرية بعض المشكلات الخاصة بكيفية المؤامة ما بين صياغة الإعلان وبين تلبية متطلبات المادة 2 (فقرة 7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحرم على الدول التدخل في الشئون الداخلية وتحث الدول على احترام المجال الخاص للدولة النابع عن سيادتها. كما كان لموضوع السيادة الوطنية للدولة حضوراً مهماً في تلك المناقشات ومحاولة تجنيب الدول ان يتم الزج بقضايا حقوق الانسان بما يفهم معه ان هذه الامر قد يمس الحقوق السيادية للدولة. وعلى هامش المناقشات كانت هناك مقترحات مقدمة من مصر بإدانة التفرقة العنصرية داخل الجمعية العامة. ومقترحات اخرى تقدمت بها الهند حول إدانة سياسة التفرقة العنصرية بجنوب أفريقيا، وطرحت المملكة المتحدة قضية التعامل بحساسية مع موضوعات حقوق الإنسان من جانب الدول.
واعمالاً لما تقدم لم يكن امام الأمم المتحدة الا ان تبادر من اجل الوصول الى صياغة منطقية ومقبولة لنصوص الإعلان فكان العبء ملقى على عاتق لجنة حقوق الإنسان المكونة من 18 عضواً يمثلون شتى الخلفيات السياسية والثقافية والدينية، لقد قدم المشروع النهائي، الذي وضعه السيد كاسين، إلى لجنة حقوق الإنسان التي كانت منعقدة في جنيف. ولقد سمي مشروع الإعلان هذا بمشروع جنيف وأرسل إلى جميع الدول الأعضاء للتعليق عليه، وقد اقترح المشروع الأولي للإعلان في أيلول 1948، مع مشاركة أكثر من 50 دولة من الدول الأعضاء في إعداد الصيغة النهائية. وبموجب القرار 217 ألف (ثالثاً) المؤرخ 10 كانون الأول 1948، اعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس، مع امتناع ثماني دول عن التصويت ودون معارضة أحد.
وقد كانت هناك عديد من الأسئلة الفلسفية الحساسة التي واجهت لجنة صياغة الإعلان منها ما معنى حقوق الإنسان بالتحديد؟ ما هو معنى الحريات الأساسية؟ هل تنبع هذه الحقوق من مفاهيم إلهية أم مبادئ فلسفية؟ هل هي منحة من سلطة الدولة؟ هل هي قابلة للتقسيم؟ هل هناك حقوق أهم من حقوق؟ هل حقوق الأفراد أهم من حقوق المجموعات؟ وقد كانت من ضمن الاقتراحات التي قدمتها الولايات المتحدة للجنة، ضرورة أن يكون الإعلان مبادئ فقط دون فرض للإلتزامات القانونية، ولكن مالت رؤية الخبراء ناحية أن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينبغي أن يتكون من إعلان، اتفاقية ملزمة، وإجراءات محددة التنفيذ. وفي النهاية وافق الجميع على إعلان يتكون من تمهيد و22 مادة تم تقديمه إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للبحث والاقرار، وقد كان العمل داخل المجلس يضم 50 مندوب واستغرق 90 يوم للنظر في 168 قرار يضم تعديلات متعددة على النصوص المقترحة. وكان الغرض من إعلان مبادئ عامة عالمية بشأن حقوق الإنسان تكون ملهمة في المستقبل، وكان نتاج ذلك كله هو الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي رأى النور في العاشر من كانون الأول 1948. أما عن مهمة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة فكان مطالب بأن يرسخ وقته لدراسة وإقرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وجاء إقرارهما في عام 1966، ودخلا حيز النفاذ في عام 1976.
ويحدد الإعلان الحقوق الأساسية لكل شخص في العالم بغضِّ النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي أو أي وضع آخر. وينص الإعلان على أن تتعهد الحكومات بتأييد حقوق معينة، ليس فقط بالنسبة لمواطنيها، بل أيضاً بالنسبة لجميع البشر، وبعبارة أخرى، فإن الحدود الوطنية لا تمثِّل عائقاً أمام مساعدة الآخرين على التمتع بحقوقهم. ومنذ العام 1948، أصبح الإعلان العالمي هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان. ورغم أن الإعلان لا تنشأ عنه أي التزامات قانونية إلا انه اكتسب ثقل وهيبة القانون أو زاد وذلك يرجع للاعتراف الواسع به من قبل الدول والشعوب في شتي بقاع العالم واعتباره حد ادنى لحقوق الإنسان يجب توافره للبشر في كل مكان وتحت أي ظرف.
وفي المقابل وبسبب التداعيات التي سبقت الإشارة اليها بخصوص التعارض بين المدارس الفكرية والفلسفية جاء الإعلان فيه بعض مظاهر التخبط وعدم الدقة في التعامل مع الموضوعات، ففي ديباجة الإعلان ونصوصه وردت مصطلحات وكلمات وعبارات غير مفسرة في الإعلان او موضحة ومبينة بشكل قاطع ونهائي، مما يجعلها عائمة ومبهمة من حيث المعنى والتفسير والتأويل. ولا توجد ملاحق تفسيرية للإعلان، لكون اغلب القوانين في معظم البلدان يقررها مجلس منتخب فان لفظة " القانون " الواردة عدة مرات في هذا الإعلان غير معرفة ومحددة ومبينة بشكل قاطع لا يحتمل الريب وهل المقصود به القوانين الوطنية او المحلية او الدولية او الدينية او ماذا، كذلك وردت عبارة "حماية القانون" ولم يبين الإعلان ماهي حماية القانون هنا ايضا عبارة " الشؤون العامة " غير واضحة ولا معرفة هنا ومن ذلك عبارات " المجهود القومي" و" التعاون الدولي" فلم يوضح الإعلان المقصود بها. ايضا عبارة "المشاركة الحرة" غير معرفة هنا ايضا وكلمة " الحرية " لم يوضح الإعلان المقصود بها هنا وما لذي يعد من الحرية ومالا يعد منها ويعد من العدوان على الاخرين ، ايضا وردت كلمة " العدل " حيث لم يحدد الإعلان ماذا يقصد بالعدل هنا وهل هو العدل السياسي او القضائي او الحقوقي ام الاقتصادي ام ماذا ، وما هو الذي يعد من العدل وما الذي يعد في عرف


المذاهب الفكرية - الاعلان العالمي - الحقوق والحريات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع