اثر التركيبة الاثنية في الفوضى الخلاقة(العراق انموذجا)
رعد حميد توفيق البياتي | raad hameed tawfeeq
16/12/2019 القراءات: 3902
اصبح من البديهي القول ان العراق ولا سيما بعد الاحتلال الامريكي يمثل بلدا سباقا للتخندق حول الاثنيات، وهذا التخندق ابصر النور عبر ولادة قيصرية اجبارية، ولم يات بصورة طبيعية كحال جميع التغيرات الديمغرافية في العالم بل خطط لها بصورة اريد لها ان تظهر للعلن بشكل طبيعي وذلك بهدف مبيت مسبقا وهذا التغيير جاء نتيجة نظرية قديمة حديثة الا وهي الفوضى الخلاقة او البناءة التي جاءت بعد ابراز الاثنيات بذرائعية الحفاظ على حقوق الانسان والديمقراطية والحريات الشخصية، وبالتوسل بهذه الفوضى البناءة بناءٌ وخلقٌ لصيغة معينة تسوس بها انظمة تلك الشعوب التي وقعت بها تلك الفوضى
اذا فالفوضى الخلاقة مصطلح سياسي ، عقدي يقصد به تكون حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث.وبعد هذا التمهيد البسيط قسمت ورقتي هذه الى محاور عدة ارجو ان اوفق في مشاركتي بهذه الورشة المباركة اسهاما منا في وضع اليد على خلل استفحال هذه الظاهرة الخطيرة أي النعرات الاثنية فمن باب الخطا والظلم ان نذكر جانب التمويع لهذه الظاهرة الخطيرة بلا تناول الحيثيات الرئيسية والمتوخاة منها لصالح اعداء هذه الامة او من وقع في شرك الانجرار وراء الشعارات الخداعة.
المحور الاول: يعتقد أصحاب وأنصار الفوضى الخلاقة بأن خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار؛ سوف يؤدي حتماً إلى بناء نظام سياسي جديد، يوفر الأمن والازدهار والحرية. وهو ما يشبه العلاج بالصدمة الكهربائية لعودة الحياة من جديد. غير أن ثمة أهدافاً متوارية لتلك الفوضى.
المحور الثاني: احتل العراق، وبشر المحتلون بفجر ديمقراطي جديد، تكشف أنه إعادة احياء وتمجيد لظواهر التخلف التي ودعها العراقيون لقرون مضت. أعيد للنعرات الطائفية والمذهبية والعشائرية والانتماءات العرقية اعتباراتها، وتشكلت مؤسسات عدة بهدي تلك النعرات. وقسمت مناصب مختلفة بموجب محاصصات وضعت جل حساباتها، تفتيت العراق، ومصادرة هويته العربية الإسلامية، وجاءت صياغتا الدستور والفيدرالية فيما بعد متماهيتين مع هذا التوجه.
المحور الثالث: على الرغم من وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع إلا أنه لم يطفُ على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن اذ بدا تعبير الفوضى الخلاقة لأول مرة من قبل المحافظين الأمريكيين الجدد، على لسان وزير الدفاع الأمريكي، رونالد رامسفيلد إثر قيام عمليات سطو ونهب وتخريب في المتحف العراقي والجامعات والمدارس والمستشفيات، ومؤسسات الدولة إثر احتلال بغداد في 9 نيسان عام 2003م. فقد أعلن رامسفيلد آنذاك، في معرض رده على حملات الاحتجاج التي وجهت ضد إدارة الاحتلال في العراق، بسبب وقوفها ساكتة، وغضها الطرف عن عمليات النهب والسلب والحرق والتخريب أن العراقيين ليسوا معتادين على الحرية. وأن هذه هي أول فرصة لهم للتعبير عما يختلج في نفوسهم، وأن هذه العمليات، والحال هذه إيجابية وخلاقة وواعدة بعراق جديد، بعد ذلك ذكر هذا المصطلح في تصريح وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في شهر نيسان 2005. وهنا استحضر الغزاة أسلوبين للتعامل مع المرحلة القادمة، يمكن تلخيصهما بالتفتيت ونشر "الفوضى الخلاقة."
فقد صوت الكونجرس الأمريكي على خطة تقضي بتقسيم للعراق، تقدم بها أحد المرشحين الديمقراطيين للرئاسة، قضت الخطة بتقسيم العراق إلى كيانات قومية ومذهبية، تحت ذريعة وضع حد للعنف والحيلولة دون تحول هذا البلد إلى دولة تعمها الفوضى عن أملها أن يحقق هذا القرار ما نجحت في تحقيقه اتفاقات شبيه قامت حول البوسنة التي اقرت تقسيمها إلى ثلاثة كيانات هي صربيا وكرواتيا وبوسنيا.
المحور الرابع: كان الهدف الرئيس الذي رمى
إليه مخططي الستراتيجيات وصانعي القرارات في مراكز البحوث الأميركية ، عبر اختبار نظرية (الفوضى الخلاّقة) على الوضع العراقي لما بعد السقوط ، لاسيما إنها كانت مصممة لبلدان الشرق الأوسط بصورة عامة ، يتمحور حول خلق حالة يصبح فيها الإنسان العراقي مقتلعا من أصوله الاجتماعية ومنسلخاً عن هويته الوطنية ومغتربا عن مرجعياته الرمزية ، ومن ثم تسهل السيطرة عليه والتحكم بخياراته والتلاعب بمقدراته والمتاجرة بمصائره وهذا سيعيد إلى الأذهان السلوك البريطاني في الهند، حين جرت عملية تهجير المسلمين إلى المناطق التي أصبحت لاحقا معروفة بباكستان، وبالمثل جرى تهجير الهندوس من تلك المناطق إلى داخل الهند.
المحور الخامس: إن هناك مرحلة جديدة قد بدأت في السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا، تهدف إلى اقلمة المنطقة وتفتيتها، تمهيدا لفرض الهيمنة الكاملة عليها، دون عناء، ودون آلة عسكرية وخسائر بشرية. وحث العراق على المباشرة بإسدال الستار على كل ما يذكره بقيم رموزه وأعرافه الاجتماعية وتقاليده الثقافية. ومن ثم تشجيعه لتبني حالة من القطيعة الجذرية ، مع كل ما له علاقة بالمحرمات الدينية والنفسية ، والتنصل عن كل ماله صلة بالمحظورات الاجتماعية والأخلاقية.
وليس أمام الجميع في هذه المرحلة الحرجة والمصيرية من تاريخ الامة الاسلامية بصورة عامة والعراق بصورة خاصة، حكاما ومحكومين ودعاة ومثقفين، سوى التمسك بثوابت الدين وتفعيل رابط الاخوة الاسلامية ورابط العقيدة، ثم الدفاع عن الوطن وكرامته واستقلاله، من خلال إشاعة روح التسامح والحرية ونبذ الكراهية، والالتزام ببرنامج وطني يقف سدا منيعا، في مواجهة محاولات الاختراق والهيمنة، وتلك في اعتقادنا أمور غير مؤجلة ولا تحتمل التأخير، فعسى أن تأخذ مكانها قبل أن يجرفنا الطوفان.
التركيبة الاثنية ، الفوضى الخلاقة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع