كتابات الخواص للخواص "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"
زينب صلاح إبراهيم علام | Zinab Salah Ebrahem Alam
26/02/2024 القراءات: 1176
مما لايخفى على أحد كون الكتب الأكثر تخصصية عسيرة على فهم عوام القراء، ومتعالية على أذهانهم؛ فهي تنطلق من أفق معرفي يعلو كثيراً عن حضيض جهل المبتدأ وعيال العلم ممن لم يحيطوا بعد بما أحاط به خواصهم؛ فنجد كتابات الخواص تلك تجمع شتات المنثور، وتُجمل في إشاراتها؛ لسابقية العلم به وعدم خفاءه على نُظرائهم من المطالعين لكُتبهم، فهي لهم إشارات تخاطب البداهة، في حين أنها للعامة طلاسم تُزيد من حيرة الحائر وتوغل في نَصَبِ التائه، لذا لابد لمن يريد التبحر في تلك الكتابات أن يكون وقَّافاً على كل مستغلقٍ يقعُ عليه، ممعناً النظر في كل دقيقة يطرقها مُدعماً وعيه بأمهات المعارف وباحثاً عن جذور كل إشارة في بابها، ولايفتئ يُعيد النظر مَرات ومَرات في تلك المتون بعد كل رحلة كشف وجَهد في سبر الغامض وكشفٍ للمبهمات فإنه مع كل إعادة يتضح له سطراً خفيا بين هذه السطور وتطل برأسها فكرة هو إليها أحوج مايكون.
ونضرب المثل بكتابات المتصوفة :
فمن غريب النظر في تراجم المتصوفة وكتبهم هو أنه كثيراً ما تضعك سِيرهم في حالة من الحيرة والتيه فأنت بين منصفٍ لهم أو مُغال في وصفهم أو مُكفر لهم نابذاً لأفكارهم، والحق أن الإحاطة الحقة تقتضي المخالطة، واستساغة العلم تقتضي القُرب من زاوية الرؤية، وأما المتصوفة فربانيون يغلب علي علومهم لدنية التلقي، لذا فالإهتداء إلى مقاصدهم لا يتأتى إلا بالتجريب والإغتراف من نفس منهلهم، وهذا الإغتراف لايُتصور إلا برحلة يتم فيها حذو منهجهم، من تخلية من العلائق الدنيوية، ولرب البرية وحده يُقتفى الإخلاص، وتحلية بها الصراط تجتاز، وتبتلٍ وتنسكٍ ثم تجلياً يناله من عباده ذاك الذي فاز.
وهكذا فالقول بأن من واجب العالم أن يُسطح كتاباته ليفهمها كل وارد لها مدَّعين أن هذا هو السبيل الأمثل لإتاحة العلم للجميع وعدم احتكاره!! والحق أن هذا قول مجانب لطبيعة الأمور، داعياً لتفريغ العلوم من مضامينها، تعجيزاً للعالم و مسايراً للجاهل في مساره، وذاك أحد معاول هدم الأمم بتعزيز الفراغ العلمي، والتجرؤ على التظاهر بالعلم من غير أهله.
ولايعني هذا بالطبع الدعوة إلى تعجيز طالب العلم والإمعان في تنفيره، ولكن لايخفى على ذي بصيرة أن للعلم معراج لابد من التدرج في طبقاته، فكما أن هناك كتب غاية في التخصص والتي تحوي خلاصات العلوم وزبدتها، فهناك أيضا كتب العلوم المبسطة، وبينهما كتابات وسط بين هذا وذاك، ولكل درجة من تلك الكتابات مستهدفون هم إليها أحوج مايكون فأما أن يصير الأمر إلى المبالغة في البساطة وقلة التركيز فهذا من شأنه تحجيم العقول وجمودها وفي هذا ما لايُحمد عقباه.
زينب علام.
كتابات، الخواص، العلوم، المتصوفة، طالب العلم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة