مدونة الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد
أنواع الأراضي الزراعية في الدولة العربية الإسلامية
الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد الكبيسي | Prof. Dr. Muqtadir Hamdan Abdul Majeed
20/06/2020 القراءات: 8359
الأرض هي مصدر الثراء والغنى للإنسان وعلى مقدار ما يملكه الإنسان من الأرض تكون ثروته ويكون غناه ، وعشية حركة الفتوح الإسلامية خضعت تحت لواء الدولة الإسلامية الأرض المفتوحة وأهلها ، وكان لابد من وضع قواعد تتوائم مع المنظور الإسلامي للتعامل مع أهالي الأرض الجديدة ، ومن ذلك اكتسبت الأرض منذ وقت مبكر من قيام الدولة بعداً خاصاً يتصل بطبيعة الفتوحات التي شهدتها الدولة الإسلامية وانسحاب ذلك على مختلف أنواع الأراضي الزراعية من حيث ملكية رقبة الأرض والتكييف الشرعي لها وامتداد هذا التكييف إلى نمط تعاملنا مع نوع الأرض الزراعية ومستثمرها .
وعلى ما يبدو فأن الأرض التي دخلت في حوزة الدولة العربية الإسلامية بعد الفتوحات تنقسم من حيث وجهة نظر الفقهاء على أقسام أربعة :
أ . الأرض العشرية : أطلق مصطلح الأراضي العشرية على جميع الأراضي التي انضـوت تحت لـواء الدولـة الإسلامية طوعاً بلا قتال كأرض المدينة المنورة واليمن والطائف ، لأن الرسول قال : " من أسلم على شيء فهو له " ، ومن مقدار العشر المفروض على إنتاج الأرض أخذت هذه الأرض تسميتها ، وهذا النوع من الأرض الصفة الغالبة عليها أن أهلها ممن دخلوا تحت راية الإسلام ، إذ كما مر معنا قبل قليل أن الذين يدخلون في ظل الدولة سلماً سواء من أرض العرب أو من أرض العجم فهي ملك أيمانهم وتكون أرضهم أرض عشر ، وهذا العشر الذي يجبى من الأرض يصرف في مصارف الزكاة للفئات الثمانية التي حددها الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . ويؤخذ العشر من الأراضي التي تسقى سيحاً وبالمطر ، في حين يؤخذ نصف العشر اذا كانت تسقى بالآلات الرافعة .
ب . أراضي الصلح : وهي أرض أهل الذمة يصالحهم الإمام على أن يأخذ منهم شيئاً معلوماً بحسب ما يراه من المصلحة قلَّ ذلك أم كثر ، وله أن يزيد عليهم وينقص بحسب ما يراه صلاحاً .
وقد ذهب بعض الفقهاء على أن أرض الصلح التي صالح عنها أهلها تبقى ملكيتها لهم ، وتقسم على نوعين بحسب ما ورد في صيغة العقد . فقسم منها فرض عليها مبلغاً محدداً من المال . فاذا أسلموا رفع عنهم المبلغ الذي فرض عليهم وتصبح رقبة الأرض لهم يؤدون عنها العشر أو نصف العشر حسب نوع السقي .
والنوع الثاني : هي ما صالح المسلمون أهلها على أن ملك الأرض لنا ، فتصير بهذا الصلح وقفاً وتعد كأرض العنوة لا يسقط الخراج عنها حتى بعد إسلام مستثمريها وإنما ترفع عنهم الجزية ، كما لا يحق لهم بيع رقابها .
ج . أراضي العنوة : وهي الأرض التي قوتل الكفار عليها وأخذت منهم قهراً على وجه الغلبة ، كأرض مصر وبلاد الشام وسواد العراق .
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الأرض على ثلاثة أقوال ، أحدها أنه يتعين قسمتها بين الغانمين ، وسبيلها سبيل الغنيمة ، بعد إخراج الخمس ، ويكون أربعة أخماسها بين من افتتحوها ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تعالى لقوله : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، والخمس الذي لله تعالى مردود من الله تعالى على الأصناف الذين سمّاهم الله تعالى بقوله : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، لا يوضع في غيرهم ، وحكم الأرض حين قسمتها بين المسلمين تصبح أرض عشرية يؤدى عنها الذي منحت له العشر إن بلغ الإنتاج النصاب خمسة أوسق وكان سقيها سيحاً أو بالمطر ، ونصف العشر إذا سقيت بالآلات الرافعة .
والقول الثاني : أنها تكون موقوفة على المسلمين عامة كما صنع الخليفة عمر بأرض السواد ، وفي هذه الحالة تكون الأرض خراجية يؤدي الذي يستثمرها الخراج عنها .
والقول الثالث : حكمها والنظر فيها إلى الإمام حين افتتحها إن رأى يجعلها غنيمة أو يتركها في أيدي أهلها يستثمرونها ويدفعون عنها الخراج .
د . أراضي الصوافي : وهـي نـوع من أراضي العنوة حررت أو فتحت حرباً وقهـراً ، إلا أن ملاكها السابقيـن فارقـوها أو ماتوا ولا وارث لها ، وقد أشـار أبو يوسف (ت182هـ/798م) إلى أن الخليفة عمر قد أصفى من أهـل السواد عشـرة أصناف ، أرض من قتـل في الحرب ، وأرض من هرب ، وكـل أرض كانت لكسرى ، وكـل أرض كانت لأحـد من أهله ، وكل مغيض ماء ، وكل أرض دير بريد ، قال ونسيت أربع خصال كانت للأكاسرة .
وهذا النوع من الأراضي حكمها على ثلاثة أقوال هي ، الأول : يتعين قسمتها بين الغانمين بعد إخراج الخمس ، والقول الثاني : أنها تصير فيئاً للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها لا يملكها الغانمون ولا يجوز قسمتها عليهم ، والقول الثالث : هو ما أجمع عليه أكثر العلماء أن الإمام يخير بين الأمرين ، إن شاء قسمها بين الغانمين ، فتكون في هذه الحال أرضاً عشرية ، وإن شاء لم يقسمها وتصبح لعموم المسلمين ، أي تترك في أيدي أهل الذمة على أن يؤدوا عنها الخراج المعلوم ، ولا يجوز لمستثمري هذه الأرض بيعها أو رهنها .
الارض العشرية ، ارض الصلح ، ارض العنوة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع