مدونة المهدي الصالحي


أسس الحوكمة الشرعية للمؤسسات المالية

المهدي الصالحي | Mehdi Salhi


01/08/2022 القراءات: 2044  


ناقش مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) موضوع مبادئ الحوكمة الشرعية للمؤسسات المالية، وأصدر بذلك معياراً خاصاً حول أهم المبادئ الأساسية للحوكمة الشرعية، ولقد حدد المعيار خمسة مبادئ أساسية للحوكمة الشرعية، وهي: الإطار العام للحوكمة الشرعية، والكفاءة، والاستقلالية، والسرية، والتناسق. وبإمكاننا إضافة مبدأين أساسيين، وهما لا يقلان أهمية عن المعايير الخمسة السابقة، وهما مبدأي: المسؤولية، والشفافية.

1- الإطار العام للحوكمة الشرعية: وهو مبدأ يهدف إلى ضمان وجود إطار عام فعال للحوكمة الشرعية لدى المؤسسة، ويعتمد هذا المبدأ على قاعدة: “لا يوجد نموذج موحد ولا قياس واحد يناسب الجميع”، وعليه فلا بد للمؤسسة من تبني واعتماد هيكل للحوكمة الشرعية يتناسب مع حجم وتعقيد وطبيعة أعمالها، ويغطي جميع المراحل والإجراءات السابقة واللاحقة لتقديم المنتجات وإتمام المعاملات مع العملاء.
2-المسؤولية: وتهدف إلى تحديد المسؤوليات بدقة من أجل الأداء الفعال وعدم اختلاط الوظائف. حيث يهدف هذا المبدأ إلى تحديد مسؤوليات وواجبات كل الأطراف ذات العلاقة بالحوكمة الشرعية في إطار تحمل المسؤولية والمساءلة.
3-الكفاءة: وتشمل المؤهلات الأكاديمية، والخبرات العملية، والسمعة الحسنة لأعضاء الهيئة الشرعية والجهاز الشرعي لدى المؤسسة. ويهدف هذا المبدأ إلى التأكد من توافر مجموعة من الخبرات والمهارات المعقولة لدى الهيئات الشرعية والجهاز الشرعي لدى المؤسسة، مع السعي المستمر لتطوير القدرات والأداء المهني.
4- الاستقلالية: وتعني إفساح المجال أمام الهيئة الشرعية لدى المؤسسة لإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية وفق ما تقتضيه ضوابط الاجتهاد وشروط الإفتاء دون التأثير على أعضاء الهيئة الشرعية، مع المحافظة على تعزيز الثقة لدى أصحاب المصلحة حول سلامة المعاملات من الناحية الشرعية، من خلال تقليل حالات تعارض المصالح المحتملة حسب الممكن.
5- السرية: ومعناها الحفاظ على المعلومات التي يحصل عليها الجهاز الشرعي للمؤسسة غير المتاحة للجمهور وغير المسموح بالإعلان عنها. ولتحقيق ذلك يجب على أعضاء الجهاز الشرعي لدى المؤسسة التأكد من أن المعلومات الداخلية التي يحصلون عليها أثناء أداء مهمتهم تظل سرية.
6- التناسق: وهو توافق أعضاء الهيئة الشرعية في تقديم الآراء والفتاوى المقدمة للمؤسسة، والحرص قدر الإمكان للوصول إلى إجماع فيما يتعلق بالقرارات الشرعية، حيث لا يلجأ إلى اتخاذ القرار بالأغلبية إلا إذا لم يتمكن الوصول إلى الإجماع في مدة زمنية معقولة، وفي نفس الوقت يجب على الأعضاء أن يكونوا متوافقين في الرأي الذي يقدمونه في الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الأخرى. ومن شأنه أن يساهم في تعزيز مصداقيتهم والتأكد من نزاهتهم.
7-الشفافية: وتعني وضوح العلاقة بين الأطراف المكونة للمؤسسة من حيث الحقوق والواجبات والمسؤوليات، بالإضافة إلى الكشف والإفصاح عن جميع البيانات المطلوبة ورفعها للجهات ذات العلاقة.
إن تحديد إطار عام للحوكمة الشرعية وضمان المسؤولية والكفاءة والاستقلالية والسرية والتناسق بالإضافة إلى الشفافية، لكفيل بترسيخ مبادئ الحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية.
ولترسيخها لا بد من الاعتماد على مجموعة من المرتكزات لضمان الحصول على حوكمة شرعية فعالة.
المبحث الثاني: الحصول على نظام فعال للحوكمة الشرعية يقتضي توفر مرتكزات أساسية:
إن الحوكمة الشرعية هي النظام الذي يحتوي على أدوات وآليات فاعلة يتم التأكد من خلالها على عدم مخالفة المؤسسة لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع عملياتها وأنشطتها المختلفة، وذلك من خلال الاعتماد على التشريع الإسلامي، والرقابة الشرعية الفاعلة، والإفصاح الشرعي المستمر الذي يطمئن أصحاب المصلحة عن مدى توافق المؤسسة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وعليه فإن الحوكمة الشرعية للمؤسسات المالية تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية حتى يتم ضمان فاعلية نظام الحوكمة الشرعية، وهي:
• أولاً: حوكمة الفتوى والتشريع:
ويقصد بحوكمة الفتوى والتشريع وضع مرجعية معيارية تشريعية للمعاملات، وهي التي تضمن اتباع المؤسسة للتعاليم الصحيحة لأحكام الشريعة الإسلامية من خلال حصولها على الفتاوى والقرارات الشرعية الصائبة.
وتعتبر حوكمة الفتوى والتشريع امتداداً لمفاهيم الفتوى والاجتهاد في الفقه الإسلامي.

• ثانياً: حوكمة الرقابة الشرعية:
ويقصد بها التأكد من أن تطبيق جميع عمليات وأنشطة المؤسسة يتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، والتحقق من عدم وجود أية مخالفات شرعية، والسعي في معالجتها إن وجدت.
وقد عرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) الرقابة الشرعية بأنها عبارة عن: “فحص مدى التزام المؤسسة بالشريعة في جميع أنشطتها. ويشمل الفحص العقود، والاتفاقيات، والسياسات، والمنتجات، والمعاملات، وعقود التأسيس، والنظم الأساسية، والقوائم المالية، والتقارير وخاصة تقارير المراجعة الداخلية وتقارير عمليات التفتيش التي يقوم بها البنك المركزي، والتعاميم…إلخ”.
وعليه فإن حوكمة الرقابة الشرعية تهدف إلى التأكد من أن جميع الأنشطة والعمليات التي تقوم بها المؤسسة لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية. وتتميز حوكمة الرقابة الشرعية بالشمولية من ناحية التطبيق، حيث أنها تغطي كافة أنشطة المؤسسة، والموظفين، والأنظمة، والأهداف، والسياسات والبرامج الحالية والمستقبلية.
• ثالثاً: حوكمة الإفصاح الشرعي:
حوكمة الإفصاح الشرعي هي الحوكمة التي يتم من خلالها طمأنة أصحاب المصلحة للمؤسسة المالية أن جميع عملياتها وأنشطتها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مع الكشف والإفصاح عن جميع القضايا والفتاوى الشرعية ذات الصلة، كمنهجية الإفتاء، والرقابة، ومحاسبة الزكاة ونحوها.


الحوكمة الشرعية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع