مدونة محمد كريم الساعدي


الاستشراق واسباب الظهور / الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


05/09/2022 القراءات: 1552  


بطبيعة الحال ان نوايا المستشرقين ليست كلها سيئة و مشوهه كما يدعي البعض ، لكن الاشكالية التي تقع هنا بعد ان يتم جلب هذه المعلومات ، فإذا كانت منذ البداية هي ليست سليمة فهي تدعم الصورة التي شُكلت ضد الاخر الشرقي المسلم ، واذا كانت فيها الحيادية و الموضوعية فهي قد تًستخدم في فهم الاخر و اليات السيطرة عليه لذلك فأن الاستشراق كمصطلح فيه الكثير من الصور التي قد تُستخدم ضد الاخر في اي مجال معرفي الهدف منه تحليل المعارف والعلوم والآداب والفنون الشرقية وتوظيفها في اهداف اخرى ابعد عمقا مما هو ظاهر في نوايا الاستشراق والمستشرقين على وفق تحديدات (ادوارد سعيد) لثلاثة معاني للاستشراق في ضوء ثلاث مستويات معرفية لهذا المصطلح ، وهذه المعاني هي:-
1. الدلالة الاكاديمية التي تشير الى ان المستشرق هو كل من يدرس او يكتب او يبحث عن الشرق في جانب محدد او عام وفي كل ميدان من علم الانسان الى فقه اللغة.
و هذا النوع من الدراسات الاستشراقية فيها الايجابي و فيها السلبي ، لكن المضمون العام لهذا المعنى هو تحديد من هو المستشرق و على من يُطلق هذا المصطلح بشكل عام.
2. هناك معنى اعم : الاستشراق اسلوب من الفكر القائم على تمييز وجودي (انطولوجي ) و معرفي (ابستمولوجي) بين الشرق والغرب ، وهذا التمييز قبله شعراء وفنانون و فلاسفة و روائيون و سياسيون و اقتصاديون و اداريون.
و هذا النوع الثاني هو اعلى من التعريف الاول كونه يرى ان مصطلح الاستشراق هو ذات دلالة تمييزية بين طرفي صراع او نزاع على مستوى التفوق المعرفي ، وفي هذا النوع يقع التأويل المغاير و المختلف للأخر الشرقي المسلم ، وهذا النوع هو من يحضر من اجل رسم صورة نهائية لشكل الشرق الذي يجب ان يكون.
3. المصطلح يشير في هذا المعنى الى الحركة النشطة المنضبطة الدائرة بين المعنيين الجامعي والعام و الذ بدأ منذ اواخر القرن الثامن عشر : وهو هنا بمعنى المؤسسة المشتركة للتعامل مع الشرق بإصدار تقارير حوله و اجازة اراء فيه وتدريسه و الاستقرار فيه وحكمه ، اي كأسلوب للسيطرة على الشرق واستبناءة و امتلاك السيادة عليه (4).
وفي هذا المعنى الثالث الذي اشتركت فيه المعتنيين الاول والثاني يبين المقاصد من طبيعة ونوايا الاستشراق كمعنى له دلالات ومدلولات معينة الهدف منها وضع اسس و اطر عامة لصورة الشرق في ذهنية مختلفة عنه، اي رسم شرق مسلم اخر ، يكون فيه اللصوص ابطالاً والابطال لصوصاً، يكون فيه الرجال العظام مشوهي الصورة والادنى منهم هو العظيم ، شرق تتغير فيه القيم السامية الى صور للإرهاب من خلال ما يثبت في ذهنية الغربي من اشكال بعيدة عن حقيقتها ، ونحن اليوم نجني ثمار هذه الصور التي اصبح فيها العربي المسلم بمظهره و ازياءه ولونه دلاله مقترنة بالإرهاب على مستوى العالم.
في ضوء هذه المعاني الثلاثة يتضح سياق الكتابة في هذا الفصل الذي يتناول فيه الاستشراق الذي لم يخلو بحسب النقطة الثالثة من صور التشويه التي تسهم في فرض اسلوب السيطرة من خلال هزهزة قيم وروح الفرد الشرقي المسلم وخصوصاً برجاله وتاريخه و معتقداته ، هذا المعنى الثالث الذي هو نتاج للمعنيين الاول الذي يدل في ظاهرة على البراءة في التعامل و الثاني على ما يخبئ من نوايا سلبية ، هذا المعنى الثالث الذي توجه به معنى الاستشراق والسيطرة كما هو واضح في شتى نواحي الحياة الفكرية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والعسكرية و غيرها ، ومن خلال مسيرة المصطلح في هذه المعاني ذات المستويات الثلاثة لابد ان تكون هنالك اسباب لظهور و تبني و عائدية لها في الفكر الغربي ومعتقداته.


الاستشراق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع