مدونة د.سيف يوسف السويدي


أدوات الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي: بين التيسير والتفكير

د.سيف يوسف السويدي | Dr.Saif Yousif Alsewaidi


03/11/2024 القراءات: 142  


في خضم التطورات التكنولوجية السريعة، بات الحديث عن الذكاء الاصطناعي وأثره في البحث العلمي موضوعًا يشغل عقول العديد من الباحثين والأكاديميين. في هذا السياق، استلمت مؤخرًا رسالة من باحث ذو خبرة طويلة، يعمل في جامعة مرموقة في لندن، ولديه سجل حافل بنشر أكثر من 50 بحثًا علميًا خلال مسيرة تزيد عن 30 عامًا في البحث العلمي. في رسالته، أشار إلى مخاوفه بشأن تأثير "ثورة الذكاء الاصطناعي" على البحث العلمي، مبينًا أن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تعطيل العقل البشري في التفكير العلمي. تساءل عن كيفية توجيه الأبحاث لتكون حلولاً حقيقية لمشاكل تواجه المجتمع، مشددًا على أن استخدام المصطلحات الحديثة مثل "العقل الاصطناعي" ليس سوى استعراض لمواكبة التكنولوجيا دون جدوى حقيقية، مشيرًا إلى أن مثل هذه المفاهيم لا مكان لها في قاموس أبحاث مؤسسته العريقة.

تطرقت في ردي عليه إلى نقطة محورية تتعلق بفهم طبيعة أدوات البحث العلمي ومكانتها الحقيقية. بدأت بالترحيب والتقدير لرسالته الثمينة والحرص الواضح على تطوير مهارات الباحثين، ثم شرحت أن أدوات البحث العلمي، سواء كانت تقليدية أو حديثة، هي وسائل تُسهل عملية البحث ولا تحل محل العقل أو التفكير البشري. أكدت أن الأدوات ما هي إلا مساعدات تدعم الباحثين في أداء مهامهم بفعالية أكبر، وأن الذكاء الاصطناعي لا يُستثنى من هذا السياق، فهو مثل غيره من الأدوات يُستخدم للتيسير والتسهيل.

تطرقت إلى مثال الأدوات اليومية مثل الملاعق والسكاكين التي تُحسن جودة الحياة عبر تسهيل المهام اليومية. فالأدوات التكنولوجية الحديثة مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، تُعتبر تطورًا طبيعيًا يساهم في دعم الإنسان في إنجاز أعماله بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وفي البحث العلمي، نجد أن برامج الكتابة مثل "مايكروسوفت وورد" تُستخدم كأدوات للكتابة وتنظيم الأفكار بدل الكتابة على الورق. وبالمثل، يمكن النظر إلى أدوات الذكاء الاصطناعي على أنها جزء من الأدوات الداعمة، التي تُساعد الباحث في جمع البيانات وتحليلها وتوفير الوقت للتركيز على التفكير الاستراتيجي والتحليل العلمي.

لم تكن أدوات الذكاء الاصطناعي ولا غيرها من الأدوات تهدف أبدًا إلى أن تكون بديلًا للعقل البشري أو تفكيره، بل هي وسائل تعزز من قدرات الباحث وتتيح له التركيز على المهام الفكرية الأعمق. هنا تأتي أهمية تحقيق التوازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على دور العقل البشري في التفكير النقدي والإبداعي. إن الأداة تبقى أداة مهما تطورت، ولا يُمكن لها أن تُعوض عن العقل البشري أو تحل محله.

في الختام، علينا أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى أداة من بين أدوات عديدة، أُوجدت لتُعين الباحث وتزيد من إنتاجيته، دون أن تُلغي الحاجة إلى التفكير النقدي والتحليلي الذي يُميز البحث العلمي. ومن هنا، يجب علينا أن ننظر إلى هذه الأدوات كفرص لتعزيز البحوث وإثراء المعرفة، لا كتهديد يُضعف العقل البشري أو يقلل من أهميته.


أدوات الذكاء الاصطناعي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع