مدونة الشاعر والناقد عبد الله هريدي
حمزة نمرة وأغنيات بطعم الوطن
عبد الله رمضان خلف مرسي | Abdullah Ramadan Khalaf Morsy
14/07/2022 القراءات: 2503
* كتبه/ عبد الله رمضان
تعرفت على اسم حمزة نمرة للمرة الأولى من خلال صديق عزيز أهدى إليّ مجموعة من أعماله عبارة عن "شريط كاسيت" وأسطوانة، فتقبلت الهدية غير أنني لسبب ما - ربما لعدم ثقة في الأجيال الحالية والناشئة من المطربين ولانطباع مسبق أنهم يقلدون بعضهم البعض، وأنه لن أجد جديدا فيما أهدي إلي من أعمال - فقد أهديت الأسطوانة و"شريط الكاسيت" لصديقين آخرين، وأصبح حمزة في انطباعي المسبق المغلوط مجرد مطرب عادي قد لا يختلف كثيرا عن فلان الذي أفسد الطرب أو فلان الذي أزعج الآذان، أو علان الذي يعتمد على تقنيات التسجيل الحديثة والمؤثرات التي تنهض بصوته على نحو ما وتجعله شيئا آخر غير ما يمكن أن تسمعه لو غنى في مكان مفتوح.
وقدر الله بعد شهور أن تأتيني من صديقي الذي كان قد أهداني "شريط الكاسيت" والأسطوانة دعوة لحضور أمسية غنائية سيحييها حمزة في ساقية الصاوي بالقاهرة، وتشجعت هذه المرة للحضور؛ حيث قلت في نفسي لو لم يكن ذاك الشاب ذا قيمة لما تمت مثل هذه المطاردات من هذا الصديق الذي أثق في ذوقه، وتشجعت وحضرت الحفل، فكانت المفاجأة بالنسبة لي.
كان الجمهور كثيفا، والحفل غاصا بالكثيرين من الأصدقاء وغيرهم من أهل الإبداع، وبدأ الشاب حوارا مع الجمهور بدت فيه اللطافة، وخفة الدم، والابتسامة الرائقة، فضلا عن مظهر عصري متواضع، "جينس وتي شيرت"، فشعرت للوهلة الأولى أنه ابن بلد لا يختلف كثيرا عن موضوعات أغانيه التي شدا بها.
عندما بدأ الشدو رأيت فيه أنه قد تحققت له كافة عناصر الإبداع بداية من كلمات أغانية مرورا بالألحان والتوزيع، وانتهاء بالصوت الممتع الذي لا يقتصر على الشدو والطرب لكنه يمثّل الأغاني بتنويعات صوته وتعبيرات وجهه وأوتار جيتاره وكأنه ممثل قدير على خشبة مسرح أو على الشاشة الفضية.
ومما زاد من إعجابي هو التلاحم الرائع بين عناصر أغنيته؛ حيث اللحن يعبر عن معاني الكلمات وليس جرسها فقط، والمؤثرات تكاد تحل محل العبارات، ودفقات الشدو والطرب التي يطلقها حمزة تتماهى مع السيمفونية الموسيقية وكأنها آلة من الآلات التي لولاها لفسد اللحن.
إن اللون الذي يغنيه حمزة يغلب عليه الطابع الاجتماعي، إنه يمس حياة الناس وطموحاتهم وآلامهم وآمالهم، ويرى الإيجابيات في حياة الناس ويشجعها ويرصد السلبيات ويقوّمها، يدعو إلى العمل النافع والأخلاق الراقية التي تنهض بالمجتمعات وتشيع المحبة والسلام بين الناس، إنه باختصار فن للحياة وليس فنا للانزواء أو الانكفاء على الذات شأن الحالة الغنائية التي نحياها؛ حيث يغني كل مطرب على ليلاه، ولا يمل من التودد لها والبكاء تحت قدميها، والتهالك في هواها، حتى إن كلمة أغنية أصبحت دالا قويا على العشق والمعشوق والحب والمحبوب، لكن هل الحياة كلها انحصرت في العشق والهيام والغرام بمعانيه التي يتداولها المطربون والمطربات؟!
إن التخمة التي أصبحنا نعاني منها – من أغاني الحب والهيام والبكاء بين يدي منديل المحبوبة – تجعلنا نشجع اللون الذي يتبناه حمزة ويسير فيه على طريق الشيخ سيد وتابعيه من المطربين.
ولا شك أن الحياة أوسع وأن اهتمامات الناس أكبر وأعظم، إننا لا ننفي لون العاطفة من الغناء، لكنه تم تغليبه ليصبح هو الأول ويكاد يكون الأخير، وتم حصره في رجل وامرأة على الرغم من أن مساحة الحب أوسع كثيرا من ذلك.
ولذا فإنني رأيت في حمزة نمطا مختلفا عما هو شائع في حياتنا الفنية، رأيت فيه من الشيخ سيد درويش روحه، ومن محمد منير خفة ظله، ومن علي الحجار أصالته، وكل هؤلاء نوعوا في ألوان أغانيهم وأبدعوا، فغنوا للشعب والعمال والفلاحين، والتحموا أكثر بثقافة مجتمعهم فتناولوا كثيرا من التراث الشعبي وفق ألحان وتوزيعات جديدة أحيت تراثنا وأمتعت آذاننا.
ولا ينفي تشابه حمزة مع من ذكرت من كبار المطربين ألا يكون له تميزه ومذاقه الخاص، فحمزة له صوته العذب الذي حباه الله به وفيه الكثير من الانطلاق والطرب والشجن والفرح، وهو على تقمص كافة الانفعالات لقدير، وكذلك مزجه الرائع بين الموسيقى الشرقية والغربية.
وأقترح عليه أن يستكشف آفاقا موسيقية أخرى تثري اللون الذي يغنيه، وأن يتحسسها في الموسيقى الشرقية على تنوعها، فالشرق كنز من الإبداع لا ينتهي. ويمكن التماس ذلك في الألحان الشامية والتركية والآسيوية.
وأتمنى ألا تنحرف قاطرة حمزة عن قضبانها، وأتمنى كذلك أن يتم الترويج لأمثال هذا الفن المبدع كي يعود الغناء إلى مساره الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــ
* شاعر وناقد مصري
غناء طرب موسيقى اجتماع أدب
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع