هل التنمر في الوسط المدرسي يدفع بالأطفال إلى الانتحار؟
أ.د عبد السلام خالد | Pr: Abdeslam Khaled
01/09/2022 القراءات: 1998
مبدئيا لا يمكن التسليم بوجود تنامي لظاهرة الانتحار لدى الأطفال في أي مجتمع في غياب دراسات علمية مسحية تكشف عن حجم الانتشار، الفئات العمرية، المراحل الدراسية والمستوى الدراسي، وزمن ظهور حالات الانتحار هل في نهاية الفصول الدراسية او في نهاية السنة وهل في الامتحانات الرسمية او في غيرها؟ ما هي الدوافع والأسباب الحقيقية للانتحار؟وما الطبقة الاجتماعية والاقتصادية للأطفال المنتحرين، وما خلفياتهم الثقافية والفكرية وغيرها من الأسئلة التي تحتاج الى إجابات علمية موضوعية. دونها لا يمكن لنا تصنيف حالات الانتحار كظاهرة اجتماعية قائمة بذاتها. وبالتالي يمكن القول ان سلوك الانتحار موجود لدى حالات عديدة من الأطفال في مختلف مناطق الوطن والدول وينتمون الى بيئات ثقافية واجتماعية متنوعة. علما ان الانتحار بحد ذاته والذي يعني وضع حد للحياة، لا يمكن ان يصل إلى قراره أي انسان عاقل متوازن نفسيا إلا إذا انهار عصبيا، أو انخفض مستوى تقديره لذاته بشكل كبير جدا أو وصل الى قناعة ان لا معنى لحياته أو أن وجوده وعدم وجوده سواء او يساوي الصفر( وجود + عدم وجود =0). وهنا يجد الانسان نفسه امام مشهد ضبابي معقد لمستقبل حياته فيتشوش تفكيره ويجد نفسه أمام خيار صعب في غياب بدائل وقناعات فكرية أخرى أكثر اقناعا لديه يسترشد بها الفدر المنهار عصبيا. لكنه في لحظة الضعف النفسي والاضطراب الفكري قد يهتدي إلى فكرة الانتحار كحل مريح من هول الألم والقلق والتوترات التي يعيشها. هذا بالنسبة للإنسان الراشد الذي اكتمل نموه العقلي النفسي والاجتماعي. لكن بالنسبة للطفل القاصر الذي مازال ينمو ولم يكتمل نضجه بعد، ولم يصل بعد إلى ادراك تعقيدات الحياة كيف تتبادر الى ذهنه فكرة الانتحار أو الاقدام عليه؟ الآمر ليس بسيط. علما ان مثل هذا السلوك مكتسب من البيئة الاجتماعية ويخضع للقناعات ولاعتبارات ثقافية ودينية للمجتمع الذي تربى فيه، وليس استعدادا وراثيا لدى الانسان. لان طبيعة الانسان تتحكم فيه غريزة البقاء، حيث يخاف من الموت ويعمل جاهدا الى ابعاد كل الاخطار التي تهدده بكل الوسائل. كما اننا نعيش في مجتمع مسلم، حيث يحرم فيه قتل النفس، أو ايذائها بالمخدرات والمسكرات وغيرها. فالأمر هنا محير للغاية يحتاج منا الى تفكير علمي موضوعي، لتشخيص الأسباب الحقيقية. وعليه فأسباب الانتحار لدى الأطفال متعددة فيها ما له علاقة بطبيعة المعاملة الوالدية على مستوى الأسرة والمدرسة وطبيعة الثقافة المجتمعية المتوارثة في أساليب التنشئة والتربية للأطفال، وفيها ما له علاقة بالتفاعل السلبي مع الثقافات الوافدة عبر تكنولوجيات الاعلام والاتصال المعاصرة لا سيما استراتيجيات معالجة مشكلات الحياة والنماذج السلوكية التي تسوقها وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والأفلام وخاصة البرامج الموجهة الأطفال كالألعاب الالكترونية التي تغذي ثقافة العنف والاجرام وتتفيه سلوك القتل أو الانتحار باعتباره حلا ممكنا للتخفيف من الآلام النفسية او للهروب من مشكلات الحياة اليومية. وعلى هذا الأساس فقد اكدت الكثير من الدراسات العلمية وجود علاقة بين أساليب المعاملة الوالدية والصحة النفسية للطفل مثل دراسة (حمزة 1996) والتي بينت علاقة أساليب المعاملة الوالدية كالرفض، والقسوة، وأسلوب الشعور بالذنب بجعل المراهقين يعانون من مشكلات سلوكية ويشعرون بالاغتراب وعدم التوافق الاجتماعي، ودراسة كلا من سليمان والقضاة (2004) التي كشفت عن العلاقة بين أساليب التنشئة الوالدية واضطراب الاكتئاب لدى عينة من أطفال الصف السادس الابتدائي، حيث اكدت وجود علاقة بين الممارسات الميالة إلى النبذ والتحكم ونزوع الأطفال إلى الاكتئاب، بينما ممارسات التساهل والتقبل تؤدي الى الشعور بالرضى. في دراسة أخرى لـ (Dwairy, 2004b) بين أن الأطفال العرب الموهوبين يعانون سلبيا من النمط التسلطي؛ حيث يعانون من انخفاض تقدير الذات وازدياد القلق والاكتئاب .(نقلا عن دراسة عشوي 6 جوان 2022). فمثل هذه الدراسات تعطي لنا مؤشرات حول العلاقة بين سلوك التنمر والصحة النفسية للأطفال، يمكن البناء عليها في فهم مشكلة الانتحار لدى بعض الاطفال. لكنها لا تؤككد مبدأ الحتمية السببية، فليس كل تنمر بالضرورة يؤدي الى انتحار، ولا توجد علاقة سببية بين الانتحار والتنمر كما قد يعتقد البعض. فالعملية جد معقدة. ولا توجد دراسات علمية جادة تبين العلاقة السببية بين التنمر والانتحار. بل يمكن القول انه عامل من بين عدة عوامل متراكمة قد تدفع بعض الأطفال في لحظات الضعف النفسي والانهيار العصبي والسياق الاجتماعي الحياتي المحفز الى الانتحار، وقد تحدث لدى حالات من ذوي البنية النفسية والعقلية الهشة، لا سيما أولئك الذين تربوا بأساليب القسوة أو بالدلال المفرط او المحرومون عاطفيا او ضحيا العنف الجنسي او الظلم الاجتماعي وغير ذلك. لهذا نجد ثقافة تربية الأطفال مجتمعاتنا ترتكز على مبدأ تمجيد القوة والسيطرة وكل أشكال التنمر، باعتبارها أساليب مثلى لردع وتهذيب الطفل مستندين في ذلك إلى تفسيرات خاطئة لنصوص قرآنية واحاديث نبوية (رغم ان الرسول(ص) لم ينقل عنه أي تعامل بالعنف مع الأطفال او النساء ولم يشجع غيره على ذلك في تربية أطفالهم بل كان دائما يوصي بالرفق والعطف حتى على الحيوان. فالشيء المؤكد علميا ان أساليب التنمر كثيرا ما تؤثر سلبا في الصحة النفسية للأطفال وتسبب لهم أزمات نفسية كضعف تقدير الذات،الشعور بالنقص،عدم الثقة في النفس، الكآبة،الخواف المدرسي،الانعزالية، الشعور بالذنب،العدوانية والغياب عن المدرسة.وعلاج ذلك يتطلب تجويد الحياة الأسرية والمدرسية للطفل من خلال اشباع حاجياته وحقوقه لجعله يعيش في جو الرفاهية مستمتعا بحياته ودراسته فيتعلم بشغف وحب ودون قلق. الى جانب التحسيس،التوعية والتدريب للأساتذة والطاقم التربوي على أساليب المعاملة الايجابية للطفل لتعزيز طاقتهم الايجابية وتقيردهم الايجابي مع ثقتهم بأنفسهم. اضافة الى برامج تلفزيونية واذاعية تنمية الثقافة النفسية والتربوية المناسبة للتعامل مع الاطفال في مختلف المراحل وغيرها.
سلوك التنمر ـ الوسط المدرسي ـ الاطفال ـ الانتحار ـ
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف