العلم والقيم: ركيزتا الخلافة الإلهية
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
26/12/2024 القراءات: 22
تعتبر مسألة الخلافة الإلهية للإنسان في الأرض من أعمق القضايا التي تناولتها الأديان السماوية. وفي هذا السياق، يبرز التناقض الظاهري بين قدرة الإنسان على الإفساد في الأرض وبين تكليفه بخلافتها. إن فهم هذا التناقض يتطلب استكشاف العلاقة بين العلم والقيم في حياة الإنسان، وكيف أن هذين العنصرين هما مفتاح تحقيق التوازن بين قدرته على البناء والإفساد.
العلم والقيم في منظور إلهي:
تروي لنا قصة الخلق كيف أن الملائكة تساءلت عن حكمة الله في خلق الإنسان، معتبرين أنه سيؤدي إلى فساد الأرض. وقد أجابهم الله تعالى بقوله: "إنّي أعلم ما لا تعلمون". يشير هذا إلى أن الله تعالى يعلم علم اليقين ما سيحدث من الإنسان، ولكنه في الوقت نفسه قد وهبه العلم الذي يمكنه من التفريق بين الحق والباطل، وبالتالي من إصلاح ما أفسد.
إن قوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" يدل على أن العلم الذي وهبه الله للإنسان ليس مجرد معلومات عابرة، بل هو علم شامل يشمل جميع جوانب الحياة. هذا العلم هو الذي يمكّن الإنسان من فهم الكون من حوله، ومن استنباط القوانين التي تحكمه، ومن ثم من استغلال هذه القوانين لخدمة البشرية.
العلم كضابط للقيم:
إن العلم الحقيقي ليس مجرد مجموعة من الحقائق والمعارف، بل هو أداة لفهم الواقع وتشكيل القيم. فالعلم الصحيح يرتقي إلى قيم صحيحة، والعلم الزائف يولد قيماً منحرفة. فالعلم الذي يدرس الطبيعة يولد فينا الإعجاب بقدرة الخالق، وبالتالي يدفعنا إلى حماية البيئة والمحافظة عليها. والعلم الذي يدرس المجتمع يولد فينا الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وبالتالي يدفعنا إلى العدل والإنصاف.
العلم كأداة لإعمار الأرض:
إن العلم هو الأداة الأساسية التي تمكن الإنسان من إعمار الأرض. فبفضل العلم، تمكن الإنسان من اكتشاف الأدوية التي شفيت الأمراض، ومن اختراع الآلات التي سهلت الحياة، ومن تطوير الزراعة التي وفرت الغذاء. ولكن العلم وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بالقيم السامية حتى يكون في خدمة الإنسان.
خاتمة:
إن العلاقة بين العلم والقيم هي علاقة تكاملية، فالعلم يوجه القيم، والقيم توجه العلم. فالإنسان الذي يتمتع بعلم واسع وقيم عالية هو الذي يستطيع أن يحقق التوازن بين مادته ومعنوياته، وبين فرديته وجماعيته. إن هذا التوازن هو الضامن لحياة سعيدة ومزدهرة للأفراد والمجتمعات.
ختامًا، يمكن القول إن العلم والقيم هما ركيزتا الخلافة الإلهية للإنسان في الأرض. فالعلم يمكّن الإنسان من فهم الكون واستغلاله، والقيم توجه هذا الاستغلال نحو الخير والصلاح. وعندما يتحد العلم والقيم في الإنسان، يصبح قادراً على تحقيق أسمى أهدافه، وهي إعمار الأرض وخدمة البشرية.
تربية، فكر، نهضة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة