مدونة محمد كريم الساعدي


فلسطين والمسرح رؤية في خطابات ما بعد الاستعمار / الجزء الثالث

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


21/11/2024 القراءات: 126  


أما في (العراق) فقد قدم المسرح العراقي العديد من المسرحيات التي تتصف بطابع المقاومة للخطاب الثقافي الاستعماري ، ومن أهم ما قدم في المسرح العراقي من مسرحيات فكانت لـ (يوسف العاني) حيث اتصفت مسرحياته بنقد الواقع السياسي الذي كان مسيطراً عليه الخطاب الثقافي الاستعماري البريطاني ، ومن هذه المسرحيات مسرحية (أنا أمك يا شاكر) ومسرحية (الخان) التي تناولت موضوع ثورة (رشيد عالي الكيلاني) وزملائه للوصول إلى حكم وطني دون تبعية للتاج البريطاني وحكوماته المنصبة في العراق ، حيث أرخ (العاني) لفترة حرجة من فترات العراق ، وقد استخدم الوثائق التاريخية التي سجلها المؤرخون عن هذه الانتفاضة التي قمعها العسكر البريطاني لمساعدة حكومته في العراق ، إن (العاني) بمسرحيته أراد أن يذكر بالتدخلات الغربية في الوطن من أجل بث الوعي عند الجمهور بمخاطر هذه التدخلات على الساحة العراقية والعربية (ينظر : حسين ، علي : مخرجون عراقيون ، ، ص53.)
كذلك قدم الكاتب العراقي (نور الدين فارس) مسرحية (جدار الغضب) التي يتناول فيها (ثورة الزنوج) من خلال محاكمة يدلي فيها أطراف النزاع بشهاداتهم عن الثورة ، وكيف أن (الزنوج) قد شعروا بالتفاوت الطبقي بينهم وبين الآخرين ، هذا التفاوت الطبقي ومن بعده التمييز العنصري اتجاه فئة من الشعب جعلت (فارس) يوظف هذه الطبقة الفقيرة في ، صفوف الثائر (علي بن محمد) للدلالة على توحد صوت المظلومين لكن سرعان ما يحصل انقسام في الثورة لصالح الخليفة الذي يبدأ بشق صفوف الثوار والإطاحة بالثورة (ينظر : الراعي ، علي : المسرح في الوطن العربي ص327 ، ص328.) أراد (فارس) من هذا الصورة المسرحية أن يذكر بوحدة الصف الجماهيري اتجاه الأطماع الأجنبية واليد الخارجية التي أسهمت في ضياع الثروات في العراق ودعم المتسلط باسم الاعتماد على الأجنبي الذي يفرق الشعوب لصالح مصالحه الخاصة.
أما على مستوى الإخراج ومسرح ما بعد الاستعمار في المسرح العربي ، فقد قدم المخرجون العرب عدد من مسرحياتهم التي أرادوا من خلالها كشف الخطاب الثقافي الاستعماري عن طريق خطاب نقيض له .
إنَّ أهم النقاط في مجال العرض المسرحي ما بعد الاستعمار هي التي فتحت المجال أمام المسرح المناقشة القضايا التي تخص الجماهير وليس النخبة المسيطرة على الوضع الثقافي والتابعة للخطاب الاستعماري، وعلى هذا الأساس قدمت عروض مسرحية في مصر اهتمت بتوجهات الشعب المصري والعربي وقضاياه المصيرية. ومن المخرجين الذين قدموا خطاب مسرحي ما بعد استعماري المخرج (سعد اردش) من خلال مسرحية (النار والزيتون) التي اخرجها على وفق أسلوب المسرح التسجيلي ، والتي تناولت الصراع العربي الصهيوني ، وظف فيها عدد من الوثائق والشهادات التاريخية التي تدين الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية ، كذلك استخدم الغناء والحركات الأدائية المدعومة بالحركة العنيفة من اجل دعم الجانب التثويري لصالح هذه القضية. (ينظر : أبو دومه ، محمود : تحولات المشهد المسرحي .ص 159.)
كذلك قدم المخرج (فهمي خولي) عرض مسرحية (لن تسقط القدس) لدعم القضية الفلسطينية ، وهذه المسرحية من تأليف (شريف الشوباشي) ، حيث تناولت المسرحية حقبة تاريخية من الصراع بين الشرق والغرب ، هي الحروب الصليبية ومالها من دلالات معاصرة تنطبق على الاستيطان الصهيوني للأرض العربية وغزو أمريكا للشرق في حربي (أفغانستان والعراق) ، فقد اعتمد (الخولي) في لتفكيك الخطاب الثقافي الاستعماري، على فكرة المسرحية التي تفكك موضوع إعادة الشرق للدائرة الغربية ، بل بنفس المواصفات الاستعمارية في وصف الشرق الغرائبي و الهمجي ذات الأهداف الشريرة والأفكار الأسطورية الخرافية. لقد عمل (الخولي) في كشف الأهداف الاستعمارية من خلال استخداماته لقطع الديكور التي تربط بين الواقع والرمز والإيحاء من خلال الحبال التي تتعامل مع تغير الديكور وكأنها قضبان سجن ، وكذلك قلب القبة وتحويلها إلى العكس نحو التقعر ، في دلالة إلى محاولة تحويل الإسلام في القدس من فكر ديني ذي قيم عالية إلى مجرد أفكار بالية قديمة مفرغة من أهم نتاجاتها الإنسانية ، وإيحاء بأن الشرق هو سجن للعقل البشري بعد إفراغه من حضارته الإنسانية ، وهذه كلها من أهداف الخطاب الثقافي الاستعماري نحو الشرق (ينظر : سلماوي ، محمد : لن تسقط القدس ، ، ص40-ص44.)


فلسطين ، المسرح ، الاستعمار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع