مدونة الدكتور حميد ابولول جبجاب
صراع البترول في ايران...... ثورة مصدق 1953م وعملية اجاكس الامريكية . الجزء الثاني
الدكتور حميد ابولول جبجاب | heemed Apoulol Chibchab
13/02/2023 القراءات: 1362
فكان الرد من المعارضة وخصوصا مجموعة (مصدق) أن رفضت كل القرارات الملكية، وانضم إلى المعارضة التجار والأعيان وعلماء الدين ومجموعات من الليبراليين والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الذين كونوا(الجبهة الوطنية) التي بدأت أعمالها بالمطالبة بإجراء انتخابات حرة ونادت بحرية الصحافة، وإنهاء الأحكام العرفية وتنفيذ القانون طبقاً للدستور، وكانت من أهم مطالبهم تأميم شركة البترول الإنجليزية الإيرانية بهدف الاستفادة من ثروات إيران النفطية، بحيث يستفيد منها جموع الشعب الإيراني دون بريطانيا وشركاتها.
ومع مطلع عام 1950م لقيت (الجبهة الوطنية) تأييداً كبيراً من مختلف طبقات الشعب وطلائعه وشرائحه المختلفة وضمت بصفوفها الشرائح المختلفة المتنوعة من المجتمع الإيراني وعلى رأسها (آية الله الكاشاني) وآخرين من الحوزة العلمية في قم، وأصبحت(الجبهة الوطنية) المنبر الأساس المعبِّر عن أهدافهم.
وقد نظمت مظاهرات شعبية ضخمة وخصوصاً إضرابات عمال الزيت بتحريض من حزب(توده) كل ذلك أقلق الشاه مما اضطره لتعيين(مصدق) رئيساً للوزراء في مايو1951م، وكان يسعى إلى استغلاله في تحقيق أهدافه بامتصاص غضب الجماهير الملتفة حوله بعد أن عمت الفوضى جميع أرجاء الدولة وأصبحت تهدد المجتمع ككل.
فأراد (مصدق) الاستعانة بالحزب الشيوعي لاستمالة جماهير(حزب توده) إلى جانبه ولم يكن هدفه إحلال السوفييت محل البريطانيين في احتكار البترول الإيراني كما توهم أعضاء توده أو كما تصور الأمريكان، ولقد ازدادت مخاوفهم من نفوذ مصدق الذي اتسع بعد تأميم البترول الإيراني، كما أكد مخاوف المخابرات الأمريكية، وقد أنذرت (مصدق) بتجميد معوناتها لإيران إذا لم يقدم التسويات البترولية المعقولة، وحماية مصالحهم أمام النفوذ الشيوعي المتزايد بفعل تعاونه مع الحزب الشيوعي الإيراني، ولم يستجب (مصدق) لذلك بل كشف عن تعاونه مع حزب(توده) ليضمن تأييد السوفييت له، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وحاول التأثير على مجريات المحاكمات ضد الشيوعيين لتبرئة ساحتهم، ورفض التصرف كأمان للشاه، ثم بدأ في توجيه اتهاماته لرجال البلاط بأنهم يتدخلون في شؤون الدولة السياسية.
وبدأت كلُّ من أمريكا وبريطانيا باتخاذ موقف سلبي من(مصدق)، فهما المتضرر من تأميم النفط الإيراني، كما بدأت الحملات الإعلامية تصوب أسهمها لمصدق حيث قالت جـــــريدة التايمز: "إن التوتر الداخلي لإيران لا يمكن مواجهته إلا بتوجيه الاتهام لبريطانيا ككبش الفداء"( ). وتطورت الأمور بسرعة حيث نجح(مصدق) بوضع القوات المسلحة الإيرانية تحت سيطرة الوزارة الإيرانية التي كان يرأسها في يوليو 1952م، ويعد ذلك هزيمة فعلية لسلطة (محمد رضا بهلوي) على الجيش الذي يعد القوة الرادعة لمعارضيه، وقد أراد(مصدق) استخدام الجيش سلاحاً مشهراً في وجه(الشاه)، لا يستطيع هو ورجال البلاط الوقوف في وجهه أو التصدي له.
وعليه بدأ (مصدق) في توجيه الدولة الوجهة التي يرتئيها، بعد أن ضمن ولاء الجيش له، فأعاد جميع الأراضي المصادرة لأملاك الدولة، واستقطع نسبة كبيرة من ميزانية البلاط الشاهنشاهي وضمها إلى ميزانية وزارة الصحة، ومنع اتصال (الشاه) برجال السلك الدبلوماسي في طهران، وزاد من عدد حرس الشاه ليراقبوا تصرفاته، كما استقطع 15% من ميزانية الجيش لزيادة خزانة الدولة، وزاد من عدد طرق المشاة وقام بتطهير القوات المسلحة من العناصر الموالية للشاه، وأسس لجانًا للتحقيق في الفساد المنتشر بين رجال المؤسسة العسكرية، وانتهى به المطاف إلى إجبار الشاه والأسرة الحاكمة على مغادرة إيران إلى إيطاليا أوائل 1953م.
ولعل من أهم أسباب فشل حكومة (مصدق)، أنها واجهت قضية (الحزام الشمالي وهي مشكلة أساسية، حيث إن إيران التي كانت حلقة مهمة لإنجاح المشروع، كانت في صراع مع بريطانيا حول تأميم النفط، وإقدام(محمد مصدق) منذ توليه رئاسة الحكومة الإيرانية عام 1951م، على تبنِّي سياسة الحياد في العلاقات الخارجية؛ لذلك لم يكن متحمسا للمشروع بسبب عدم رغبته في خلق التوترات مع جاره الشمالي المتمثل بالاتحاد السوفيتي السابق.
لذلك وبهدف إقامة مشروع الحزام الشمالي، أسرعت الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع بريطانيا بالإطاحة بحكومة (مصدق) في أغسطس عام 1953م. من خلال انقلاب عسكري، وقد عبر (الشاه) بعد عودته مباشرة إلى إيران عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مشاريع الدفاع الغربية وقال : "إن إيران ستتمكن من أن تُصبح حلقة أساسية في دفاع العالم الحر". ورغم إشارة الشاه هذه فإن الحكومة الإيرانية لم تعلن رسميا رغبتها في الانضمام إلى مشروع التحالف الغربي حتى عام 1954م، وقال الجنرال (فضل الله زاهدي) رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك، بأن حكومته ترغب في التوجه نحو الغرب بمعنى الابتعاد عن المد السوفيتي.
وللأخطار التي أحاطت بالضباط المفصولين من الجيش والذين اعتقدوا أن الجيش والشاه لا يفترقان، كونوا لجنة سرية لحماية الأمة من الثوار المنادين بالجمهورية وبدأت جماعة من الضباط المفصولين الاتصال بالزعماء الدينيين وبالمخابرات الأمريكية والبريطانية لتمويل انقلاب عسكري للإطاحة بنظام مصدق، فقد كانت لكلا المخابرات البريطانية والأمريكية أسبابها الخاصة، ومن أهم هذه الأسباب الحفاظ على مصالحها البترولية والأمنية في الخليج وإيران، ومن ثم كانت دعوة الضباط الإيرانيين المفصولين بمنزلة إشارة شرعية لها من أجل التحرك لاسترجاع سلطة الشاه باعتبارها المدخل الطبيعي لحماية مصالحهم.
تلاقت الأهداف فانشغل رجال الجيش الإيراني والعملاء الأجانب في تدبير محاولتهم للإطاحة (بمصدق)، وبدأت الخلافات الأيديولوجية تنفجر داخل(الجبهة الوطنية)، حيث تركزت على تأميم الشركات الكبرى خصوصاً شركات النقل والتليفون، ومنح المرأة حق الانتخاب، وكذلك وضع خطة للإصلاح الزراعي، ومصادرة المشروبات الكحولية أو منع بيعها.
البترول - الصراع - الايراني الامريكي - محمد مصدق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة