تمتع بالصحة النفسية الإيجابية (2)
سعد الدين العثماني | EL OTMANI SAAD DINE
06/12/2024 القراءات: 78
2 - نشأة مفهوم الصحة النفسية
الصحة النفسية من أهم مجالات علم النفس، وأكثرها إثارة وأهمية بالنسبة لحياة الأفراد والمجتمعات. وقد أصبحت بشكل متزايد في قلب المناقشات والتدخلات في مجال الصحة العامة. وكثرت الألفاظ التي تستعمل للتعبير عنها، فنسمع عن: الهناء النفسي – الحياة الطيبة – طيب النفس – قرة العين – راحة البال – العافية النفسية – الهناء النفسي - الرفاهية النفسية –الرضا النفسي. وهذه كلها – وغيرها - تعابير توازي بشكل أو بآخر الصحة النفسية الإيجابية والجيدة. ولقد جبل الإنسان منذ وجد على الأرض على البحث عن الراحة النفسية وعن السعادة. وكثيرا ما نلتقي في حياتنا اليومية أشخاصا يتمتعون بمزاج جيد، ملؤه التفاؤل والأمل والنظرة الإيجابية، فهم يتحدون منغصات الحياة، فيبتسمون ويبتهجون باستمرار، كما ينشرون البهجة في محيطهم. ويتحلون بقدرة كبيرة على مواجهة التحديات والمشاكل التي تكون عادة مربكة للإنسان، دافعة له للإغراق في الهم والغم، فنجدهم متماسكين صامدين، ينظرون إلى الجانب الإيجابي والمشرق من الأمور. لكننا قد نلتقي أيضا أشخاصا آخرين على النقيض من ذلك، يغلب عليهم المزاج السيئ، ويتصفون بالتشاؤم والنظرة السلبية إلى الأمور، وينهارون أمام أبسط التحديات، ولديهم صعوبات في التواصل والتفاعل مع الناس من حولهم، وينشرون تلك السمات السلبية في أوساطهم. ومعرفة سر هذا التنوع والاختلاف، أمر شغل الإنسان في حضاراته المتعاقبة منذ القدم. وكتب في ذلك الفلاسفة والأطباء والعلماء من مختلف التخصصات باستمرار، وإن لم ينطقوا بذات المصطلح: "الصحة النفسية". وقد أبلى الأطباء في الحضارة الإسلامية في ذلك، واهتموا بتدبير شؤون النفس كما اهتموا بتدبير شؤون البدن. ونعطي مثالا واحدا هو أبو زيد البلخي (ت 322 هـ/ 934 م) صاحب كتاب "مصالح الأبدان والأنفس". وقد يكون من أوائل الكتب التي حاولت ملامسة صحة النفس بمختلف جوانبها. يقول مثلا: "ونحن نقصد في هذه المقالة للإخبار بوجه تدبير مصالح الأنفس، وحفظ قواها على سبيل الصلاح والاعتدال، وجهة التدبير في نفس الأعراض النفسانية التي تعرض لها". ثم يقول: "إن إضافة تدبير مصالح الأنفس إلى تدبير مصالح الأبدان أمر صواب، بل هو مما تمس الحاجة إليه، ويعظم الانتفاع" (ص 507 - 509). وقد أثر كتاب البلخي على كتابات العديد من أطباء وفلاسفة الحضارة الإسلامية في الاهتمام بمصالح النفس، الذي يوازي هنا "الصحة النفسية" في الأدبيات المعاصرة. وقد يكون الأمريكي كليفورد بيرز Clifford Whittingham Beers أول من تحدث عن "الصحة النفسية" في كتابه "عقل قد وجد نفسه" A Mind That Found Itself ، صدر له سنة 1908م، في سياق تطوير الوقاية من الأمراض النفسية وتطوير علاجها، مستعملا لفظ Mental hygiene. وكليفورد بيرز لم يكن طبيبا، لكنه كان رجلا موهوبا، وكان يعاني من اضطراب نفسي. لكنه تعاون مع طبيب نفسي أمريكي اسمه أدولف ماير في عام 1909 لتأسيس اللجنة الوطنية للصحة النفسية، والتي كان الهدف منها تحسين علاج المرضى عقليًا والتغلب على التحيزات المرتبطة بهذه الفئة من المرضى، وأيضا تحسين الصحة النفسية باعتبار ذلك يؤدي إلى نتائج تؤثر على الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية لبني البشر. كما أقيمت معاهد مستقلة خاصة بالصحة النفسية. ومنذ ذلك الحين تعددت الدراسات المرتبطة بالصحة النفسية ومختلف المواضيع المرتبطة بها. وتعتبر الفترة الفاصلة بين سنتي 1940 و 1960 فترة حاسمة في تطور الصحة النفسية. فقد أحدثت عدد من المؤسسات خاصة بها على المستوى الدولي وفي عدد من الدول الغربية. وبدأت تلك المؤسسات في إصدار تقارير متخصصة والدفع في صياغة قوانين ذات صلة. وأدت تلك الحركية إلى أن أعلنت الفدرالية الدولية للصحة النفسية، مدعومة من قبل كل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو عام 1960 بوصفه "السنة الدولية للصحة النفسية". وتتالت الخطوات العلمية والعملية بعد ذلك إلى أن أصبح علم الصحة النفسية علما مستقلا ومتطورا مع مرور الوقت.
الصحة النفسية - الصحة النفسية الإيجابية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع