مدونة سمير نور الدين دردور


الخطاب الحضاري في ضوء فكر مـــــالك بن نبي

سمير نور الدين دردور | DERDOUR samir Noureddine


27/04/2021 القراءات: 5117  


نحاول من خلال هذه المدونة أن نستشف أهمية الإعلام في بناء مجتمع عالمي متحضر يسوده مبدأ قبول الغير رغم اختلاف ثقافته ونستجلي ضرورة التوافق بين الحكومات والشعوب والجماعات على المبادئ المشتركة للإنسانية في شكل مشروع حضاري يتمحور حول توجيه الخطاب إلى بناء مجتمع عالمي يؤمن بالتنوع الثقافي والديني وينبذ كل صور الضغينة والكراهية عبر أصوات الدعاة وقنوات الإعلام. و نستلهم تحليلنا لإشكالية دور وسائل الدعوة والإعلام في ترسيخ قيم التعايش والحد من خطاب الكراهية من تنظير المفكر الجزائري الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله الداعي إلى احترام الأديان والثقافات ونبذ كل مظاهر الاستعمار والقابلية للاستعمار والداعي في العديد من المناسبات العالمية لحوار الحضارات وإلى ترقية الخطاب بين الشعوب.
إن مالك بن نبي المفكر الإسلامي صاحب "الظاهرة القرآنية" و"شروط النهضة ومشكلات الحضارة" المؤسس لفكر التوافق العالمي بعيدا عن مغالبة محور واشنطن-موسكو باعتباره محور القوة على محور مراكش-جاكرتا باعتباره محور الضعف ضمن فلسفة "الميثاق الاستعماري"، قد استنبط أفكاره التحررية من حياته النضالية التي قاسمها مع رواد مناهضة الاحتلال الفرنسي حين كان عضوا فاعلا في جمعية طلبة مسلمي شمال افريقيا وأفكاره الداعية لنشر التسامح والاعتدال حينما كان عضوا نشيطا في اتحاد الطلبة المسيحيين، وهو ما أهله ليكون همزة وصل بين الحركتين ومفعلا لتنسيق الحوار فيما بينهما بل داعيا كذلك للحوار بين الهندوس والمسلمين حينما زار مهاتما غاندي مقر جمعية طلبة مسلمي شمال افريقيا في باريس سنة 1934 ومحورا أساسيا في تهدئة الوضع واستتباب السكينة عندما اندلعت في نفس السنة اضطرابات دموية بين المسلمين واليهود في أعقاب حادثة مسجد قسنطينة بالجزائر ومهندسا لمشروع الحوار شمال-جنوب الذي اعتمد في أخطر ظاهرة بعد الحرب العالمية الأولى ألا وهي مؤتمر باندونغ سنة 1956. يقول مالك بن نبي :"إن مؤتمر باندونغ هو بكل تأكيد دليل على الانتقال التاريخي الذي سيتم هذه المرة من النظام الصناعي إلى النظام الأخلاقي"
فلا غرابة إذن أن يصدح مالك بن نبي باعتباره مناديا للسلام العالمي بأنه أصبح من شأن السياسة اليوم أن تدرس كيف تكسب السلم وأن انتصارات السلام تتقرر في جبهات السجال الفكري والحوار البناء وأن غنى المجتمع لا يقاس بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار.
إن الثورة الحضارية التي نادى بها بن نبي هي تلك الثورة الخلاقة والراعية للقيم الاجتماعية والأخلاقية النابعة من صميم الدين الإسلامي والتي من شأنها أن تُحوِّل الإنسان في تفكيره ومخاطبته للغير وانعكاس ذلك ايجابيا على حياة البشرية جمعاء من خلال المساحة الإعلامية التي وجب أن تشغل حيز الفاعلين في البناء الحضاري من إعلاميين وصحفيين ومفكرين ودعاة ومغردين.
يقول مالك بن نبي أن "صناعة التاريخ تتم تبعا لتأثير طوائف اجتماعية ثلاث: علم الأشخاص، عالم الأفكار وعالم الأشياء. هذه العوالم الثلاثة لا تعمل متفرقة بل تتوافق في عمل مشترك تأتي صورته طبقا لنماذج ايديولوجية من عالم الأفكار يتم تنفيذها بوسائل من علم الأشياء من أجل غاية يحددها عالم الأشخاص. فهو يرى أن العبقرية الغربية خلقت كتلين :كتلة الشعوب "المتحضرة" التي تسكن أوروبا وأمريكا وكتلة الشعوب المستعمرة التي تسكن آسيا وافريقيا. فلم يعد إذن مقبولا استمرار هيمنة الأولى على الثانية بهذا المفهوم الجغرافي الضيق وما يصحب ذلك من احتقار واستغلال وابتزاز. أما العالم الأفكار، فهو عالم لا تقاس فيه تنمية المجتمع بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار.
لم يعد الاستعمار بالمفهوم التقليدي الذي يستغل خيرات الشعوب المستعمرة ويدمر مقدراتها وهويتها الثقافية و يسخر في سبيل ذلك الجيوش والمعدات، و لم يعد حربا ساخنة و أخرى باردة بل أصبح ذلك العدوان على مقومات شخيصتها عبر وسائط الاعلام تستعمل فيها الكلمات والرموز لا القنابل و قذائف الدبّابات والطائرات. استعمار...يهيمن على الأفكار ويفرض البدائل ويستعمل الحرب النفسية من أجل تعديل السلوك الاجتماعي ويسعى دائما لتهيئة الظروف المواتية عبر مفهوم القابلية للاستعمار ويعزل المكافح في حلبة الصراع من جانبين : أن ينفِّر من أفكاره الرّأي العام بجميع الوسائل وأن ينفره هو نفسه من القضية التي يكافح من أجلها ويشعره بعبث كفاحه."
أما عالم الأشياء فهو ذلك الفضاء الذي ينظم المشاريع والإنجازات والتقنيات المستعمل في سبيل تحقيق الأفكار. يقول مالك بن نبي:" الإخصائيون المشرفون على الصراع الفكري يركبون أجهزة لتحطيم الأفكار كما يركب العلماء المختصون في علم المواد المشعة أجهزة لتحطيم الذرة".
تتجلى محاور الخطاب الحضاري في كنه وموضوع الخطاب من حيث الأخلاق والمبادئ العليا واستعمال اللغة و الانتماء. يبرز مالك بن نبي أهمية الأخلاق في التعامل بين الأفراد والمجتمعات. "كلما حدث اخلال بالقانون الخلقي في مجتمع معين حدث تمزق في شبكة العلاقات التي تتيح له أن يصنع تاريخه." و يقول أن "اللغة والجنس ليست عناصر عديمة الأهمية في الواقع الإنساني ولكنها بعيدة عن أن تمثل الشروط الحتمية لجعل هذا الواقع في مستوى الحضارة...فإن امكان الحل موجود مع اختلاف اللغات أو الأجناس وهو يقوى مع المستوى الذي ندرس فيه القضية. فإذا كانت وحدة اللغة أو الجنس ضرورية لتكوين الأمة فإن هذا الشرط ليس محتوما لتكوين حضارة تولد ونمو وتكتمل في ظل تنوع اللغات والأجناس".
"يتمتع الإسلام بوضع القاسم المشترك مع جميع الثقافات التي تؤلف الخريطة الروحية في العالم. فإن الإسلام في مركز العالم الحديث...بسبب روابطه العديدة بالنسيج الإنساني الراهن هو الجسر الذي يصل ما بين الأجناس والثقافات، فهو عامل بلورة وعنصر جوهري إذا ما أردنا اليوم تكوين مركب حضارة أفروآسيوية وغدا تكوين حضارة عالمية." "و مع ما تحدثه البذرة الأخلاقية الإسلامية في حل المأساة العالمية ندرك ما يمكن أن تمنحه بذرة كهذه حين ينشطها مبدأ عدم العنف من معنى كرسالة الإسلام."


حوار- تعايش- حضارة- اسلام -ثقافة- خطاب -عالم الأفكار- عالم الأشياء- عالم الأشخاص -القابلية للإستعمار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


شكرا لتناولك فكر ابن نبي...جهد ماجور عليه باذن الله....