رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب). (5)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
23/04/2022 القراءات: 3085
الحذر حين الكلام على الله:
سمعتُ بعضَ المتحدِّثين يقول: "الله اعتبرَ صلحَ الحديبية فتحًا". ولا أرى استعمالَ هذا الفعل بحقِّ الله تعالى سائغًا، فاعتبر بمعنى عدَّ، وفيه رائحة الاجتهاد والنظر. ومثل هذا لا يُقال عن الله. فالسائغُ أنْ يُقال: وصفَ، أو حكمَ، أو أخبر، وهكذا.
***
الصبر عند بشر الحافي:
جاء في «المنتخب من معجم شيوخ السمعاني» (2/734):
«ثنا محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قلتُ لأبي نصر -يعني بشر بن الحارث-: الرجلُ يكره الشيء فيصبر عليه، يكون هذا راضيًا؟ قال: إذا كان مغمومًا بالصبر، فليس بصابر.
فقال: يُصاب بالشيء فيصبر عليه، لا يخبرُ أحدًا ولا يتكلمُ به إلا ودَّ أنه رُفع عنه؟ قال: هذا قلب سوء»!
***
مؤلفات في مناقب بشر الحافي:
-أخبار بشر الحافي لأبي عمرو بن السماكِ. وهذا سمعه السيوطي كما في كتابه "التحدث بنعمة الله".
-أخبار بشر بن الحارث لمحمد بن مخلد الدوري. معجم مصنفات الحنابلة (1/307).
-ولابن الجوزي "مناقب بشر". وقد جمعتُ النصوص المنقولة منه.
-ولابن المبرد (غير يوسف). كما في ترجمته في "الأعلام".
***
ابن مسرة لا ابن مرة:
استطرد الأستاذُ محمد آل رشيد في كتابه "الإيضاح والتبيين للأوهام الواردة في كتاب طبقات النسابين" استطرادة مهمة إذ كشفَ تصحيفًا غريبًا مشى على الدكتور بكر رحمه الله، وفسَّره تفسيرًا أشد غرابة، والبيان كما يلي:
نقل ابنُ القيم عن ابن تيمية الخلافَ في السؤال في القبر: هل يكون بعودة الروح أو لا؟ والجمهور على الأول، وقابلهم آخرون "فقالوا: السؤال للروح بلا بدنٍ، وهذا قاله ابنُ مرة وابن حزم، وكلاهما غلط...".
وظنَّ الدكتور بكر أنَّ المقصود بابن مرة إبليس، وهكذا قرَنه بابن حزم! والصوابُ: ابن مسرة، وهو أندلسيٌّ معروفٌ له مقالاتٌ غريبةٌ وأقوالٌ شاذةٌ تفرَّدَ بها ونُقلتْ عنه، توفي سنة (319).
وانظر التفصيل ص (27-31) فإنه مهمٌّ.
***
(عن) لا (بن)
و(بن) لا (عن):
جاء في «أنساب الأشراف للبلاذري» (11/ 235): «عن المسعودي عبدالرحمن بن [كذا والصواب: عن] عبد الله عن عون قال: ما أحسب أحدًا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه».
وجاء في "القول البديع" للسخاوي ص (381) س (8): "حجاج، عن سنان". صوابه: "حجاج بن سنان" كما أفاد الأستاذُ المحققُ.
***
لا تنقل قدمَك... ونصائح أخرى:
جاء في «مقامات الزمخشري» (ص71):
«وأن لا تَنقُلَ قدمَكَ إلا إلى مشهدِ خيرٍ يُحمدُ عناؤك فيه، أو إلى موطنِ شرٍّ تُخمِدُ ضرامهُ وتُطفيه».
وقال الشيخ عبدالسلام بن مشيش في وصيةٍ لتلميذه أبي الحسن الشاذلي: "يا أبا الحسن:
لا تنقلْ قدمَك إلا حيثُ ترجو ثوابَ الله.
ولا تجلسْ إلا حيث تأمنُ غالبًا مِن معصية الله.
ولا تصحبْ إلا مَن تستعين به على طاعة الله.
ولا تصطفِ لنفسك إلا مَن تزداد به يقينًا (وقليل ما هم)".
نقلته من "ترجمة ابن مشيش" لمؤلفٍ مجهولٍ كُتبتْ بعد سنة (1234)، حقَّقتها باحثة مغربية اسمها: حنان الفاضلي.
إنَّ هذه الخُطى محسوبة مسجلة، وينبغي استحضار النية عند كل حركة، وانظروا هذا الموقف في حياة داود الطائي:
جاء في «أخبار أبي حنيفة وأصحابه» (ص116) من طبعة عالم الكتب، وص (110) من تصوير دار الكتاب العربي ببيروت عن الطبعة الهندية:
«عن شعيب بن حرب قال: دخلتُ على داود الطائي عشيةً حارةً فإذا هو في بيتٍ كأنه الحمّام حرًّا، وإذا فيه لبنةٌ ودنٌ أحسبُه قال: مدفون فيه ماء، فقلنا له حين آذانا الحرُّ: لو خرجتَ إلى الدار؟
قال: إنَّ هذه لحظي [كذا، والصواب: لخطًى] أحتسبُها [كذا، وقال المحقق هنا: "في الأصل: لا أحتسبها". وقام بحذف: لا! مع أنَّ الكلام لا يصح بدونها].
قال: ثم لبث هنيةً، ثم قال لنا: اخرجوا، فخرجنا إلى صحن الدار فجلسنا».
أي أن داود حين قيل له: "لو خرجتَ إلى الدار" لم تكن لديه نية، ولم يرد أن يخرج لداعي النفس، ثم استحضر نيةً يرضاها وطاوعهم على الخروج.
وقد تحرفتْ كلمة (خطى) أيضًا في «وفيات الأعيان»، جاء فيه في ترجمة داود الطائي (2/ 260):
«وقالت أخته: لو تنحيتَ عن الشمس، فقال: هذه خطي لا أدري كيف تُكتبُ». وعلق المحقق الأستاذ إحسان عباس بقوله: "كذا في تاريخ بغداد أيضًا".
والصواب: هذه خُطى لا أدري...
***
يقظة العبّاد:
جاء في "العمر والشيب" لابن أبي الدنيا (ص60):
«عن إبراهيم بن الأشعث أنه قال: سمعت الفُضيل بن عياض، وقال له رجل: يا أبا علي، كيف حالك؟
قال: كيف ترى حال مَن كثرت ذنوبُه، وضعف عملُه، وفني عمرُه، ولم يتزودْ لمعاده، ولم يتأهبْ للموت ولم يتيسر له؟».
***
الصدمات طبيعة الحياة:
سُئل الدكتور الشاعر إبراهيم العواجي عن صدمةٍ تلقاها من شخص لم يتوقعها منه؟ فقال: "أنا أتحملُ الصدمات من الآخرين لأنها طبيعة الحياة، هكذا حياة وموت، حلو ومر، وفاء ونكران، غنى وفقر، صحة ومرض، فهل للحياة طعم بدون حالة التضاد هذه؟". انظر مقابلة معه في مجلة "المجلة العربية" العدد (33)، السنة (29)، رجب (1425)، سبتمبر (2004)، ص (3).
***
علماء ترجموا أبناءهم:
هناك الكثير ممن ترجموا آباءهم، أما تراجم الآباء للأبناء فهي قليلة، وممن ترجم ابنه:
المنذري (ت: 656).
البرزالي (ت: 739).
الذهبي (ت: 748).
ابن الجزري (ت: 833).
السخاوي (ت: 902).
المناوي (ت: 1031) في "إرغام أولياء الشيطان".
***
مناظرة العلم العقل:
جاء في «حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب» (1/ 210):
«وما أحسن قولَ بعضهم:
علمُ العليم وعقلُ العاقل اختلفا … مَن ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلمُ قال: أنا قد حزتُ غايته … والعقلُ قال: أنا الرحمن بي عُرفا
فأفصح العلمُ إفصاحًا وقال له: … بأينا اللهُ في تنزيله اتصفا
فأيقن العقلُ أنَّ العلم سيدُه … وقبَّلَ العقلُ رأسَ العلم وانصرفا».
ولم أقفْ لهذه الأبيات على قائلٍ معينٍ.
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة