مدونة د. مجدي أحمد إبراهيم محمد
لغة الكورونا أزمة أم ثراء في المصطلح ؟
د.مجدي أحمد إبراهيم محمد | Majdi Ahmed Ibrahim Mohammed
08/10/2020 القراءات: 3846
لغة الكورونا أزمة أم ثراء في المصطلح ؟
لا شك أن اللغة وضعت ليستخدمها الناس فيما بينهم بطريقة موحدة ، ولتلبي احتياجاتهم وتنقل أفكارهم ، فهي كائن اجتماعي في المقام الأول ، فهي كما يقول ابن جني : ( أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ) وقوله : ( يعبر بها كل قوم ) دليل على أهم خصائص اللغة وهي اجتماعيتها فهي تحمل قضايا الجماعة واهتماماتها وتساعد في عملية التفاهم اليومي بينها .
إن الأصل في الألفاظ أن تعبر عن المعاني ، أو أنهما متلازمتان وهذه جدلية لا نريد الخوض فيها ، والمتتبع للغة المستخدمة في ظل الكورونا يلحظ أزمة مصطلح واضحة متمثلة في الازدواجية المصطلحية ، فتجد مصطلحا من هنا ومن هنالك فهل ساعدت وسائل التواصل المتعددة في هذا ؟ وهل يعد هذا ثراءً أم أزمةً ؟ وما تزال الآلة الإعلامية تتحفنا بمزيد ألفاظ وتراكيب وذلك خلال اللغة المستخدمة في تغطية فايروس الكورونا أو ما يعرف بلغة الكورونا .
وبما أن هذا النوع من المصطلحات يدخل في أكثر من حقل ، خاصة الحقل الطبي وهو حقل يعنى باللغة والمصطلحات الطبية ، فقد اشترك في هذه الحملة للحد من انتشار الفايروس اللغويون والإعلاميون والقانونيون ومنظمات المجتمع المدني والجهات الرسمية ، وكان لهم دوراً فاعلاً في الحد من انتشار فايروس كورونا ، وهذا يثمن دور العلاقات البينية بين هذه المجالات في المساعدة في التوعية ضد جائحة الكورونا .
ويحاول هذا المقال أن يجيب عن الأسئلة التالية : ما المصطلح الأنسب لوصف الفايروس ؟ وهل هناك ازدواجية مصطلحية في وصف فايروس كورونا ؟ وهل أسهمت الحملة الإعلامية التي صاحبت انتشار الفايروس في إثراء القاموس اللغوي ؟ ، ويحاول الباحث أيضاً أن يبين التطور المصطلحي في ظل جائحة كورونا والألفاظ التي راجت في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ، فالمصطلح قد يكون كلمة أصلية معروفة في اللغة وقد يكون كلمة غريبة مستعارة ، وقد يكون كلمة منحوتة أو مستحدثة أو مركبة ، وكل هذه تأخذ شرعيتها من خلال الاتفاق على استخدامها ورواجها وانتشارها في اللغة المتداولة بين أهل اللغة .
ويعد موسم الكورونا موسماً خصباً وثراً من الناحية اللغوية ، حيث ظهرت مصطلحات عديدة ، ولعل أكثرها تسمية المرض نفسه ، فقد أطلق عليه مجازاً لفظ جائحة ، وقد استخدمت العرب قديماً هذه اللفظة للدلالة على الآفة التي تهلك الثمار وتجتاح الأموال وتستأصلها وعلى كل مصيبة عظيمة وفتنة كبيرة ، يقال : سنة جائحة ، أي جدبة ، قاحلة ، وللفظ استخدامات مجازية أخرى ، فتطلق على كل مصيبة عظيمة أو آفة أو فتنة كبيرة ، أو وباء مهلك .
وهناك من فضل وصف الفايروس بلفظ ( وباء ) ، وتستخدم العبارة في القاموس الطبي للدلالة على كل مرض سريع الانتشار من مكان إلى مكان ، شديد العدوى يصيب أعداداً كبيرة من البشر والحيوان ، وذلك ضمن منطقة أو إقليم محدد .
ومن الألفاظ المستخدمة في وصف فايروس الكورونا لفظ ( مرض ) ، والمرض في تعريفه الاصطلاحي يعني : كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة ونفاق وتقصير في أمر من الأمور ، يقال : ( مرض الموت ) وتطلق على من كان غالب حاله الهلاك رجلاً كان أم امرأة ، فكل من عجز عن إقامة مصالحه وحوائجه خارج البيت فهو مريض .
وفضل بعضهم استخدام عبارة ( داء ) وهي كلمة تستخدم في وصف كل مرض ظاهر أو باطن ، وتستخدم كثيراً للتعبير عن المرض الباطن ، وفي الطب تستخدم للتعبير عن كل عيب باطن يظهر منه شيء أو لا يظهر . يقال : ( داء الأسد ) وهو الجزام وسمي به ؛ لأن وجه صاحبه يشابه وجه الأسد ؛ أو لأنه يعرض للأسد كثيراً ، وداء الثعلب هو تساقط الشعر وغيرها .
كل هذه الألفاظ مستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الإعلامية التي صاحبت ظهور جائحة الكورونا ، ويعد هذا دليلاً على ثراء العربية وسعة قاموسها ، وهي ليست من المترادف كما يبدو للعامة وإنما بينها فروق دقيقة ، وقد برزت عبارة ( جائحة ) دون غيرها من المصطلحات ؛ لأنها تعبر عن سرعة انتشار المرض ، وأثره على العالم ، إذ لم تسلم منه البشرية جمعا .
وفي ختام هذا المقال لابد أن نشير إلى أن هذه الجائحة أحدثت تطوراً لغوياً كبيراً دعت الحاجة إليه ، واستحدثت ألفاظاً ومصطلحات تحتاج للدراسة من الباحثين منها : الالفاظ المستخدمة للوقاية من الفايروس والحد من انتشاره نحو : التباعد الاجتماعي ، الحجر الصحي ، مناعة القطيع ، الانحسار ، الانتشار ، الفيروس التاجي ، حامل المرض وناقله ، وقائمة طويلة من الألفاظ والتراكيب ، وليس من المبالغة أن نقول إن جائحة الكورونا استحدثت معجماً لغوياً ثراً ، وحق أن يطلق عليها لغة الكورونا .
لغة الكورونا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف