النزاع المائي بين مصر واثيوبيا في ضوء المتغيرات الجديدة
ارواء فخري عبد اللطيف | ARWAA FAKHRI ABDULATEEF
04/11/2020 القراءات: 1649
ومن اهم المشاكل التاريخية حول المياه في القارة الافريقية هو مشكلة مياه نهر النيل بين دول المنبع ودول المصب. على الرغم من تعدد المحاولات المبذولة لإيجاد الحلول المناسبة من جهود دبلوماسية ومعاهدات جماعية وثنائية لحل مشكلة المياه ابتدءا من اتفاقية عام(1959)، الموقعة بين مصر والسودان للاستفادة من مياه نهر النيل.
لم يكن توقيع اتفاقية(عنتيبي) من قبل من دول المنبع لحوض النيل متجاهلين الحقوق التاريخية لدولتي المصب(مصر والسودان) سببا لتأزم العلاقات بين دول حوض النيل ، بل كانت هناك عوامل أخرى ساعدت على تأجيج النزاع بينهما. منها الأوضاع السياسية التي شهدتها دولتي المصب(مصر والسودان) والتي أضعفتها في الدفاع عن حقوقها، إضافة إلى التدخلات الدولية في دول حوض النيل ، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، وإعلانهما الحرب على الإرهاب في محاولة منهم للقضاء على المد الإسلامي، ومن ثم إعلان أثيوبيا إنشاء بما يسمى بسد النهضة، كل تلك العوامل ساهمت وبنسب متفاوتة في تأجج النزاع بين دول حوض النيل .
1- الأوضاع السياسية لدول حوض النيل : تعتبر أحداث ثورة يناير2011 في مصر، ومن ثم انفصال جنوب السودان ورحيل رئيس الوزراء الأثيوبي(ميليس زيناوي)، من أهم الإحداث التي طرأت على إقليم حوض النيل، منذ توقيع اتفاقية(عنتيبي) في (مايو2010).
2- التدخل الدولي في دول حوض النيل : تمثل منطقة حوض النيل الإحدى عشر مركبا صراعيا بالغ التعقيد والتشابك، فقد شهدت المنطقة حروبا أهلية، ونزاعات حدودية، وتوترات قبلية، مما دفع أطراف دولية عديدة إلى التدخل،أما لاعتبارات إنسانية في الظاهر، أو لحماية مصالحها ومناطق نفوذها.
وقد أضافت المكانة الجيوإستراتيجية لحوض النيل بعدا جاذبا للقوى الدولية من اجل ممارسة التدخل والنفوذ. فالإقليم يمثل منطقة التقاء عوالم ثلاثة، هي الشرق الأوسط، إفريقيا، المحيط الهندي، وهو الأمر الذي يجعله محط أنظار واهتمام القوى الدولية المسيطرة، والراغبة في القيام بدور فعال على الصعيد الدولي، إضافة إلى تكالب تلك الدول على الموارد الطبيعية في إفريقيا. ومن اهم تلك الدول الصين والولايات المتحدة واسرائيل.
تقوم السياسة الإسرائيلية في منطقة حوض النيل على أساس توليد القناعة لدى الولايات المتحدة بمدى أهمية الدور الإسرائيلي في الحفاظ على المصالح الغربية من المد العربي الإسلامي بالمنطقة، حيث تعمل إسرائيل كمساند للإستراتيجية الامريكية التي تستهدف الحلول محل فرنسا في قواعدها التقليدية في منابع النيل ووسط إفريقيا ، لاسيما وان هناك سعيا أمريكيا حثيثا يستهدف تأسيس مناطق نفوذ في تلك المنطقة .
3-سد النهضة في الوقت الذي انشغلت فيه مصر بإحداث ثورة يناير(2011) وما تلاها من مظاهرات وحكومات انتقالية، وانشغالهم بترتيب أوضاعهم الداخلية، أعلنت الحكومة الإثيوبية في(2 ابريل2011) عن مشروع سد النهضة، وذلك لتوليد طاقة تقدر ب(5250)ميجاوات على النيل الأزرق بولاية(جوبا).كانت إثيوبيا تتحرك بوعي سياسي كامل، ذلك لأنها أدرجت في ميزانية البلاد لعام(2011-2012) مشروعا مجهولا أطلق عليه مشروع(X)، وأصدرت هذه الميزانية في أواخر مارس(2011). لم يكن العالم يعرف هذا المسمى للسد في هذا التوقيت، إلا إن الأيام أثبتت إن هذا السد هو نفسه سد الحدود الذي أوصى بإنشائه مكتب استصلاح الأراضي الامريكية-وهو مؤسسة فيدرالية أمريكية- عام(1963)، ضمن(33) سدا على النيل الأزرق، ثم تحول الاسم إلى (سد الألفية)، عندما تغير موقع السد قليلا، وما تطلبه ذلك من تعديل في الأبعاد الهندسية له وللخزان الملحق به، ألا إن سد النهضة الأثيوبي العظيم، كما أعلن عنه في ابريل(2011)، كان مختلفا تماما، إذ تحول من سد صغير لتوليد كمية متواضعة من الطاقة الكهرومائية إلى احد اكبر السدود في العالم قاطبة. ومن ثم كانت المفاجأة إن الدولة الأثيوبية قد كلفت شركة ايطالية مغمورة، بهذه المهمة بالإسناد المباشر ودون دخولها في منافسة مع إي من الشركات المحلية أو الإقليمية أو الدولية. وقد عزا الكثيرون ذلك إلى طريقة التكتم التي كانت الحكومة الأثيوبية تبدأ وتنهي بها مثل هذه الأعمال التي يرونها من الأسرار التي تمس الأمن القومي الإثيوبي.
اسفرت المحاولات في التفاوض عن توقيع بيان النقاط السبع في مالايو يونيو 2014 ، وخارطة الطريق في سبتمبر 2014 ، واتفاق اعلان المبادئ بالخرطوم في مارس 2015 وهي جميعها تسعى الى الحفاظ على المصالح المصرية السودانية . كما وافقت اثيوبيا على وثيقة مخرجات سد النهضة بالخرطوم في مايو 2018 . وقد زار رئيس وزراء اثيوبيا ( أبي احمد) مصر في يونيو 2018 ليؤكد احترام الحقوق المتبادلة في التنمية دون اضرار بالاخرين ووقع اتفاق مبدئي بواشنطن (اتفاق النقاط الست) الا انه لم يتم التوصل لاتفاق شامل وملزم بشان السد
وفي ايار /مايو2020 وبعد فشل المفاوضات حول سد النهضة ان تقدمت مصر والسودان بمذكرة الى مجلس الامن باعتبار ان ما يجري (موقف يهدد الامن والسلم الدوليين) ، كما تقدمت مصر بشكوى الى مجلس الامن تتهم اثيوبيا بخرق اتفاق المبادى (خرطوم2015) وتحذر من عواقب ملئ السد بدون اتفاق ، ونتيجة لذلك قام مجلس الامن بتفويض الاتحاد الافريقي برعاية المفاوضات للوصل الى مخرج من تلك الازمة .
و ثمة من يطالب بوضع ضوابط وقيود صارمة تصل الى فرض الاشراف الدولي على انشاء السدود في دول المنبع . كما يتطلب التعاون الدولي في مجال المياه من الدول ان لا تؤدي انشطتها الانمائية الى حرمان الدول من القدرة على اعمال الحق في المياه للمواطن وللاغراض الانمائية الاخرى ، كما لا يجوز استعمال المياه كورقة اقتصادية وسياسية للابتزاز والمساومة ، بل العمل وفق مبادى القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة.
مصر - اثيوبيا - النزاع المائي-
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع