مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


خطر الهجرة على الأسرة، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


20/12/2020 القراءات: 777   الملف المرفق


خطر الهجرة على الأسرة، أ. د. محمد محمود كالو

ما أعظمها من كلمات قالها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26]، كلمات من نور بيَّنت في إيجاز واف أن الهجرة الحقيقية إنما تكون إلى الله تعالى.
ومن أوائل المهاجرين إلى الله نبي الله لوط عليه السلام، ثم أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله بعد لوط هو الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال الله تعالى: { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100].
وقد قسم العلماء الذهاب في الأرض إلى قسمين: هربًا وطلبًا، كالهرب من أرض غلب عليها الحرام، والفرار من الأذية في البدن، وطلباً وهو قسمان: طلب دين وطلب دنيا، كسفر العبرة، وسفر الحج، وسفر المعاش، وسفر التجارة، وطلب العلم.
سفر أهل الشام والهجرة في الظروف الحالية
الأصلُ في السّفرِ والانتقالِ مِن بلاد الشّام إلى البلاد غير الإسلامية في الظّروف الحالية هو: المنع، ويُستثنى مِن ذلك المضطرُّ الذي لا يجد بلدًا مِن بلاد المسلمين يعيشُ فيها، فيجوز له الانتقالُ للعيش في بلاد غير إسلامية على أنْ ينتقلَ منها متى ارتفعت ضرورتُه.
قال موسى الحجاوي المقدسي : "تكره التجارة، والسفر إلى أرض العدو، وبلاد الكفر مطلقًا، وإلى بلاد الخوارج، والبغاة، والروافض، والبدع المضلة، ونحو ذلك، وإن عجز عن إظهار دينه فيها، فحرام سفره إليها". [الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة، بيروت: 2/49].
والسبب في المنع؛ لما في ذلك مِن مخاطرَ كثيرةٍ، أهمها:
1- الفتنةُ في الدّين، والانحلال الخُلُقي.
2- الخشيةُ على مستقبل الأبناء؛ لنشأتهم في مجتمعٍ لا يراعي الدّينَ والأخلاق وخاصة في المدارسِ، وأنظمة التّعليم، وغالباً ما يؤدي إلى انسلاخهم من الدين بالكلية، ولا تعتقد بأنك ستحافظ على دين أبنائك هناك، فقد قرأت بأن شيخاً هاجر إلى الأكوادور منذ ٨٠ عاماً وبنى أول مسجد فيها، وسعى لتربية أولاده على الإسلام، لكن اليوم لا يوجد ولا حفيد واحد من أحفاده على الإسلام.
3- ما تحويه قوانينُ تلك البلدانِ مِن أحكام مخالفةٍ للشريعةِ تُخل بقيام الرجل على أسرته، وتوكِلُ أمرَ رعاية الأولاد وتربيتهم لأُسرٍ أو مؤسسات غير إسلامية، وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها هناك! وكم من فتاة جاءت بخليلها إلى البيت رغماً عن أبيها!
4- عدمُ القدرة على القيام ببعضِ شعائرِ الإسلامِ في بعض تلك البلاد، كارتداء الحجاب في فرنسا.
5- خطرُ الافتتان بغير دين الإسلام، أو الرِّضى بمنكراتهم، ؛ بسبب طول المعاشرة.
قال الإمام النّووي: "المسلمُ إنْ كان ضعيفًاً في دار الكفر لا يقدِرُ على إظهار الدّين، حرُمَ عليه الإقامةُ هناك، وتجب عليه الهجرةُ إلى دار الإسلام". [روضة الطالبين: 10/282].
ولا شكّ أنَّ العيشَ في بلاد المسلمين له أثرٌ إيجابي ظاهرٌ على الإنسان في طاعاته وعباداته، وتربية أبنائه.
ولكن يجوز السّفرُ إلى البلادِ غير الإسلامية الآمنةِ للمضطرِ إذا لم يجد بلدًا مسلمًا آمنًا يقيم فيه، أو يلجأ إليه، ويتقي الله في دينه ما استطاع، كما هاجر المسلمون المستضعفون إلى بلاد الحبشة؛ لأنّ فيها ملِكًا عادلاً، لا يُظلم عنده أحدٌ.
قال ابنُ حزمٍ: "وأمّا مَن فرّ إلى أرض الحربِ؛ لظلمٍ خافه، ولم يحارب المسلمينَ، ولا أعانهم عليهم، ولم يجدْ في المسلمين مَن يُجيره، فهذا لا شيءَ عليه؛ لأنه مضطرٌ مُكرَهٌ". [المحلى:11/200].
أما هجرة السوريين إلى بلاد الغرب فيختلف بحسب حال كل فرد ونيّته ومعرفته بمخاطر اللجوء، فشتّان من خرج حماية لدينه ونفسه وأهله وعرضه، ومن يعدّ خروجه خذلانًا لأهله وفرارًا من الزحف، وفرق بين مَن يهاجر إلى دول الغرب بعد أن تقطعت به السبل، وضاقت به الحيل، ومن خرج من مكان كان فيه آمِنًا مكفيًّا لم تلجئه الحاجة ولا الضرورة.
إن خروج السوريين من أرضهم ستعود آثاره على مستقبل البلاد التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها مباركة، وستكون فسطاط المسلمين، وأن أرضها مقدسة يهاجَر إليها ولا يهاجَر منها.
وأخيراً: نصيحة أخ محب لكم، لا تضيعوا أولادكم وذريتكم إلى يوم القيامة، وتكونوا سبباً في تحولهم عن الإسلام، وضياع دينهم، أو تكونوا سبباً في دخولهم جهنم والعياذ بالله، ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله حين قال: "اختيار العيش في بلاد غير المسلمين يضيع النسل، فإن استطعتم حماية أولادكم فلن تضمنوا ذرياتكم، فلا تحملوا وزرهم".


الهجرة، خطر الهجرة، الأسرة، السفر والانتقال، المهاجر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع