مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي


الفرق بين النبي والرسول، وأثر ذلك على المعرفة الدينية

أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg


27/05/2021 القراءات: 2002  


أيها المتنورون! الكتاب الذي بين أيدينا، هو آخر الكتب المنزلة، وهو الكتاب الخالد، الذي هيمن على الكتب السابقة، وصدقها، وصحح ما فيها، (وأنزلنا عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، وهو الرسالة الخاتمة لجميع البشر، صلاحيتها تكمن، في قابليتها للتأويل كلما تقادم الزمن، وتغيرت المجتمعات، تتفاعل مع التجمعات البشرية، كما تتفاعل مع القوانين الكونية، وهي في جدلية دائمة مع الطبيعة والإنسان، بناء على مبدأ ثبات النص، وحركة المحتوى.
إننا إذا أردنا أن تكون هذه الرسالة رسالة عالمية لا بد من اعتبارات عدة، يمكننا من خلالها أن ننفذ إلى مكنونها، ونقف على جواهرها، من أهم هذه الاعتبارات:
-يجب أن نضع حدا للقول بالترادف في القرآن الكريم: أي وجود عدة ألفاظ تؤدي معنى واحدا، كقولنا: البيت، والدار، والمنزل، إنها بمعنى واحد، ذلك أن القول بالترادف، سيقضي على دقة الخطاب الإلهي، ويوقعنا في مطب اتهامه بالتكرار، والعبثية، والحشو، وهي تهم؛ ينزه عنها الخطاب الإلهي.
يقول الله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون، تنزيل من رب العالمين)، ففي هذه الآية، يقسم الله العظيم بالدقة التي غمر بها كونه الفسيح، أن القرآن هو كذلك بهذه الدقة في النظم، والأسلوب، وأنه كريم في العطاء، سخي في البذل، وهذه الدقة الهائلة، والمعاني العظيمة، تتبطنها آياته الكثيرة، وسوره المتعددة، لا يمكن أن ينفذ إليها إلا من طهر قلبه، ونقت سريرته.
وقولنا إنه لا ترادف في التنزيل الحكيم، سيقودنا حتما إلى آلية جديدة في مقاربة آيات الذكر الحكيم، فأول ما يقودنا إليه هذا القول هو التمييز بين الكتاب والقرآن، والنبي والرسول، والنبوة والرسالة، تماماً مثلما ميز التنزيل الحكيم بين المحكم والمتشابه في آياته المباركات.
يقول الإمام العسكري: “لكل لفظ صورة ترتسم في الذهن، فإذا اختلف اللفظ، تغيرت الصورة، فارتفع الترادف”، وهذا قول جمع من علماء اللغة، منهم ابن فارس، وأبو علي الفارسي، وابن جني وغيرهم.
وبما أن المعرفة الإنسانية تكتشف الجديد كل يوم، ولابد لكل جديد من لفظ يُعرف به، لذا؛ فإن اللغة كائن قابل للتطور والنمو، وخاصة في دلالات الألفاظ. وأكثر ما تنطبق هذه الخاصية على دلالات ألفاظ التنزيل الحكيم نظراً لصلاحيته لمختلف العصور ولمختلف نظم المعرفة، وضمن هذا المنطوق يمكن إعادة صياغة الثقافة العربية الإسلامية برمتها من خلال إعادة النظر في المفاهيم والأدوات.
وقد كان يمكن لمسألة القول بالترادف أو إنكاره أن تبقى مسألة مجمعية أكاديمية بحتة، لولا أن القول بالترادف قاد إلى تجويز رواية الحديث النبوي بالمعنى، وإلى اعتبار القياس في أصول الفقه من مصادر التشريع، وإلى تأليف معاجم تفسر الكذب بالإفك، والإفك بالافتراء، والافتراء بالبهتان، والبهتان بالكذب، فلا يفهم أحد فرق هذا عن ذاك إلا من رحم ربي.
من هنا، كان لابد والحال هذه أن ننكر الترادف، ونبحث عن الفرق مهما كان دقيقاً؛ بين الأب والوالد، والشاهد والشهيد، والعباد والعبيد، والتفسير والتأويل، والحرب والقتال، والشرك والكفر، والذنب والسيئة، والدين والملة، والإسلام والإيمان، علماً بأن البحث عن الدقة في كل شيء هي سمة هذا العصر، فالأولى أن نبحث عنها في قراءة التنزيل الحكيم؛ لأن هذه الدقة بالضرورة ستؤدي إلى تغيير في الأحكام، والمفاهيم الفقهية، والعقائدية.
وأضرب لذلك بمثل، أبين به خطر القول بالترادف، وأنه لا يمكن المضي قدما على هذا النحو، وإلا ضللنا الطريق:
المثال الأول: مفردتا النبي والرسول، حيث يكرس النسق المعرفي التقليدي أنهما بمعنى واحد، فالرسول هو رجل نبئ وأمر بتبليغ الرسالة، والنبي هو كذلك لكنه لم يؤمر بالتبليغ، فإذا أمر بالتبليغ؛ فهو رسول، وإلا فهو نبي، ومن ثم فلا فرق بين أن نقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وبين أن نقول يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك، وكذا إذا قلت في قوله تعالى:( وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، يمكن أن تضع في مكانها، وما على النبي إلا البلاغ المبين، وهذا ما يجب الوقوف عنده، وإعادة النظر فيه.
فالآيات الواردة بوسم الرسول، هي آيات خاطبت النبي محمدا بكونه مبلغا فقط، كقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ..)، وقوله (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، فهذه الآيات تحصر مهمة النبي محمد في تبليغ الرسالة، وهي القرآن الكريم، لهذا قال الله تعالى في هذا الشأن، (فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون، إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين).
أما الآيات التي وردت فيها مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، كقوله تعالى: (يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك، تبتغي مرضات أزواجك)، وقوله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال..)، وقوله تعالى: (ما كان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة)، وقوله أيضا: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذي اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم)، ولم يقل لقد تاب الله على الرسول، لأن مقام الرسالة، غير مقبول الخطأ فيها، بخلاف مقام النبوة، فهو الجانب البشري الواضح، ومجال الاجتهاد المفتوح.
وإذا ثبت هذا الفرق، فإن مجالات السياسة، والاجتماع، والعمران، والمعاملات، ستصبح متاحة للأمة، من خلال برلماناتها، وترسانتها القانونية، ودساتيرها المكفولة، تقرر من القوانين ما هو لصيق براهنها، ومن الصيغ المعاملتية ما هو كفيل بحل مشاكلها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، فدستر من الشرائع والقوانين، ما هو كفيل بالتعايش والتعاون.


النبي، الرسول، الترادف، التنزيل الحكيم.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع