مدونة صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
القصدية والمقبولية في سورة الطارق
صلاح الهيجمي | Salah Abdulsalam Qassim Alhaigami
16/07/2020 القراءات: 4535
الأستاذ: صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
إذا كان السياق قد أوضح لنا السمات المنظمة لعمليات الاتصال والترابط النصي، ومثله التماسك المعنوي كما عرفناه في حلقة ماضية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المقالة: كيف توظف القصدية والمقبولية في نص سورة الطارق بعدّهما من المعايير التي تتحقق بها صفة النصية من منظور الجانب الاتصالي في تحليل النص؟
للإجابة على هذا التساؤل نلاحظ السبك والحبك في النص القرآني، وهذان المعياران يعدان من أهداف القصدية، وبعد النظر في سياق الموقف لاحظنا قصديته في تعميق (الإيمان بالبعث)؛ لأن السورة من السور المكية التي تعالج جوانب العقيدة، وتأتي المقبولية لتبين موقف المتلقي من قبول النص من حيث ارتباطها بسياق الموقف أو المقام من جهة وانسجامها بالأفعال الكلامية والإنجازية واستراتيجيات التأدب والتلقي الموصلة إلى الإقناع من جهة أخرى؛ بحكم ارتباط القصدية بأفعال الكلام، والمقبولية باستراتيجيات التلقي.
هذه الأفعال يمكن التمثيل لها باختصار في الأفعال الإنجازية الموجّهة الدالة على الطلب المراد به "الأمر"، وأولها (لينظر) في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ﴾؛ إذ جزم الفعل المضارع (ينظر) بلام الطلب دلالة على البحث في القصد من الطلب بأن ينظر الإنسان في أول نشأته نظرة تفكر واعتبار، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير 30/261: "والنظر: نَظَرُ الْعَقْلِ، وَهُوَ التَّفَكُّرُ الْمُؤَدِّي إِلَى عِلْمِ شَيْءٍ بِالِاسْتِدْلَالِ".
وجاءت أداة الاستفهام مع الفعل خُلق لتكون أسلوبًا طلبيًا في قوله تعالى ﴿ مِمَّ خُلِقَ﴾ للدلالة على الزيادة في الطلب ومعرفة القصد بعد هذا النظر، وكان الجواب ﴿خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ﴾. وقبل هذا جاء الاستفهام للتفخيم والتعظيم في قوله تعالى:﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ الصابوني20/45.
وجاء الفعلان الإنجازيان الآخران "مهّل، وأمهل" في قوله تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾، قال الزمخشري في الكشاف 4/737: "فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ يعنى: لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به. أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً، أي إمهالًا يسيرًا، وكرّر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين منه والتصبير"، كما أن الإطناب بتكرار الفعل مبالغة في الوعيد، وهذا مما يؤكد أن قصدية النص أدت إلى المقبولية.
كما نلاحظ أفعالًا أخرى لها ارتباط بالقصدية والمقبولية من حيث الإخبار كما في (تُبْلى، ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ وتدل على الإخبار بأن القلوب تمتحن وتختبر يوم القيامة، و(يَخرُج)، في قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ ليخبر عن خروج الولد، واستخدم الكناية اللطيفة؛ إذ كنى بالصلب عن الرجل وبالترائب عن المرأة. ومن حيث بيان سلوك البشر الاجتماعي، ويظهر فيها دلالة التحدي، لكن ارتقى الرد الإلهي بمقابلة كيدهم بكيد خفي يليق بجلاله، الذي اتضح في قوله تعالى : ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا .وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾، وهذا يعني أن أهل مكة حينها يعملون المكايد في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق، وأنا أقابلهم بكيدى: من استدراجى لهم وانتظاري بهم الميقات الذي يحين وقته للانتصار منهم، كما جاء في تفسير البغوي 8/395، والكشاف4/737، والقرطبي 20/10، الأمر الذي أدى إلى فهم القصد والقبول به من قبل المتلقي. ناهيك عن الصدق الذي أتى به القرآن؛ لأنه وحي يوحى، وكلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
القصدية، المقبولية، سورة الطارق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع