الزراعة والتغير المناخي في الأردن: المشكلة، والآثار، والحلول الممكنة
12/04/2024 القراءات: 1184
يصنف الأردن من أكثر دول العالم عرضة للجفاف نتيجة للتغير المناخي، فضلا عن أن الأردن هو من بين الدول الثلاث الأفقر مائيا على مستوى العالم ويعاني من إجهاد مائي مزمن مرتبط بالمناخ (انخفاض مستويات تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتبخر) مما يعني تفاقم شح المياه في المستقبل واتساع رقعة التصحر وتقلص مساحات الغطاء النباتي، وسيرتد ذلك على انخفاض الإنتاجية في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، ويضيف ضغوطا إضافية على الموارد الطبيعية والاقتصاد المحلي التي قد تهدد الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي.
ومن المتوقع أن تنمو انبعاثات الأردن إلى 61,565 جيجا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2040 مع تطور قطاع الطاقة والقطاعات الفرعية كمصادر رئيسية لانبعاثات غازات الدفيئة (83% حتى عام 2040). وإذا استمرت انبعاثات غازات الدفيئة بمعدلات متوسطة إلى عالية من اليوم وحتى عام 2080، فإن الدراسات المناخية تتنبأ بارتفاع درجات الحرارة في الأردن بمقدار 4.5 درجة سيليزية فوق مستوياتها ما قبل الثورة الصناعية (تقرير الخطة المحلية لمواجهة التغير المناخي، وزارة البيئة الأردنية)، وهذه المشكلات ستؤدي إلى خسائر اقتصادية وتأثيرات اجتماعية وبيئية. كما أنها ستضعف مرونة المجتمع (خصوصا الفئات الهشة) تجاه الصدمات، وتعيق جهود الأردن نحو تحقيق التنمية الشاملة. وتتطلب الاستجابة الواعية من الحكومة تعزيز الإجراءات المناخية والتدابير الاحترازية للتكيف مع الأزمة المناخية والصمود تجاه صدماتها كي تتمكن الدولة من تحقيق أهدافها الوطنية للتنمية المستدامة المنشودة لعام 2030. وهذا ما حفز الأردن للانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الساعية إلى التكيف مع آثار تغير المناخ والحد منها، مثل اتفاقية باريس للمناخ التي ظهرت عام 2015 وتهدف إلى إبقاء ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية دون 2 درجة سيليزية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية حتى عام 2100، ومتابعة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة سيليزية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية حتى الوصول إلى حالة التعادل الكربوني.
وكما أن تغير المناخ يؤثر في الزراعة، فإن الزراعة تؤثر في تغير المناخ. فالزراعة تعتبر أحد أكبر الأنشطة التنموية المساهمة في تغير المناخ على مستوى العالم، وانبعاثاتها تمثل خُمس الانبعاثات العالمية. ويساهم إنتاج الغذاء وحده بنسبة 11% من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومع تغير استخدام الأراضي، سترتفع هذه النسبة إلى 25% تقريبا. ومن الطرق التي تؤثر بها الزراعة سلبًا على البيئة وتساهم في تغير المناخ هي:
أ. انبعاث غازات الدفيئة الناتجة عن عمليات معالجة التربة الزراعية قبل زراعتها وأثناء زراعتها وبعدها، مثل أعمال الحرث وتقليب التربة.
ب. التلوث الناتج عن فواقد المغذيات والأسمدة والمبيدات في الأوساط البيئية
ج. انبعاث غازات كربونية من حيوانات المزارع، مثل غاز الميثان المنبعث من روث الأبقار
د. إزالة المسطحات الخضراء والغابات وفقدان التنوع الحيوي
هـ. الانبعاثات الناجمة عن نقل الأغذية وتخزينها وتجهيزها
و.إنتاج الكتلة الحيوية وحرقها.
علاوة على ذلك، فإن الممارسات الزراعية غير المستدامة لها ارتدادات سلبية أخرى على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، مثل:
أ. ظهور فجوات اقتصادية في المردود والإنتاجية الزراعية،
ب. تدهور مستوى المعيشة لدى صغار المزارعين،
ج. ضعف دافعية جيل الشباب وعزوفهم عن العمل والاستثمار في القطاع الزراعي،
د. قلة وفرة الغذاء وتدني جودته وانخفاض قدرته على تعزيز الصحة العامة ومقاومة الأمراض وسوء التغذية والتخمة،
هـ. انعدام العدالة المجتمعية لدى الفئات الهشة التي لا يتاح لها الوصول بسهولة إلى الموارد والمعلومات (مثل النساء والفقراء) والفئات التي تعتمد حياتها على سبل العيش الحساسة للمناخ (مثل المزارعين والصيادين والرعاة).
إن هذه المشكلة المركبة تهدد استدامة التنمية في الأردن. فهل يمكن القيام بشيء حقيقي لمعالجة التغير المناخي وحماية المخرجات الزراعية والمجتمع الزراعي في الأردن لنتدارك هذه الآثار الجسيمة على التنمية؟
هناك الكثير ما يمكن القيام به لمواجهة آثار التغير المناخي على الزراعة في الأردن. فلا بد من إعادة النظر في ممارساتنا الزراعية التقليدية وغير المستدامة، وتحويلها إلى ممارسات ذكية ومستدامة. ويتأتى ذلك عبر تبني استراتيجيات: (1) التكيف مع تغيرات المناخ والبيئة و(2) التخفيف من الأثار السلبية للزراعة غير المستدامة على المناخ والبيئة. فكما عرفنا سابقا أن الزراعة والمناخ يؤثران ويتأثران ببعضهما. يقصد بالتكيف هو كل تدبير أو تدخل من شأنه أن يؤدي إلى تقليل التعرض لتغير المناخ، بواسطة تعديل تعرض المزارعين وتقليل حساسيتهم وإعدادهم للتأقلم مع التغيرات المناخية الحالية أو المستقبلية. قد تتضمن هذه التدخلات على سبيل المثال لا الحصر: تعزيز ممارسات الإدارة المتكاملة لموارد المياه والأراضي، تغيير أصناف المحاصيل الزراعية (الشتلات والبذور)، وتغيير مواعيد الزراعة. أما التخفيف، فيقصد به كل تدبير أو تدخل من شأنه أن يؤدي إلى الحد من انبعاث غازات الدفيئة (خفض، نزع، تجنب الكربون). قد تشمل هذه التدخلات مثلا استخدام مساحات أقل للزراعة، التعويض عن التربة ببدائل أخرى تصلح لزراعة المحاصيل كالزراعة المائية والهوائية، إطلاق حملات التشجير وتخضير المسطحات، تقليل كميات الأسمدة المضافة للتخصيب، تعديل السلوكيات التغذوية للمستهلكين، حفظ الموارد الغذائية من الفقد والهدر، رفع كفاءة استخدام الطاقة لتقليل الانبعاثات، وغير ذلك. وبهذه الاستراتيجيات الفعالة يمكننا ان نحول الزراعة في الأردن إلى زراعة ذكية مناخيا، كي يتسنى لنا مقاومة التغير المناخي وردع آثاره المدمرة، وفي نفس الوقت زيادة قدرات المزارعين على التكيف مع الظروف والمتغيرات الجديدة. وسنفرد لاحقا بعون الله مقالا مستقلا حول تقنيات الزراعة الذكية مناخيا في المناطق الجافة.
تغير مناخي - زراعة - أزمة المناخ - تنمية مستدامة - الأردن
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف