"الصبر: درع الحكماء وسلاح الأبطال"
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
24/01/2025 القراءات: 7
لا شك أن الصبر هو من أسمى الفضائل وأجل الصفات التي يتحلّى بها الإنسان، فهو مفتاح النجاح وسِرّ السعادة، وجسر العبور إلى آفاق المستقبل الواعد. فكما أن الجزع واليأس يقودان إلى الهلاك والدمار، فإن الصبر والثبات يقودان إلى النصر والتمكين.
إن طريق الحياة مفروشٌ بالتحديات والمحن التي لا تنفك تطرق أبوابنا، فالنفس الأمارة بالسوء، والشيطان الرجيم، والابتلاءات المتنوعة، كلها عوامل تسعى جاهدة لثنينا عن دربنا المستقيم. ولكن الصبر الإيجابي، الذي يتجلى في التحلي بالعقل والشرع، والمثابرة على الخير، هو السلاح الأمضى في مواجهة هذه التحديات. أما الصبر السلبي، الذي يترجم إلى استسلام واستكانة، فهو ضعف لا يليق بالمسلم.
فالجنة، تلك الفردوس الأعلى، لا تُمنح إلا لمن صبروا وصابروا، وتجاوزوا مصاعب الدنيا. فالصبر على طاعة الله، وبذل الجهد والمال والنفس، هو الثمن الذي ندفعه لتحقيق السعادة الأبدية. والنار، تلك الهاوية السحيقة، مصير من استسلم لشهواته، وتبع هواه، ولم يصبر على طاعة ربه.
إن الصبر هو دواء لكل داء، وشفاء لكل جراح. فكما يصبر المريض على الدواء المر ليشفى من مرضه، كذلك يصبر المؤمن على ابتلاءات الدنيا ليبلغ جنات النعيم. وقد أكد الله تعالى في كتابه الكريم على أهمية الصبر، ووعَد الصابرين بأجر عظيم، فقال تعالى: "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ"، وقال أيضاً: "اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
الصبر مفتاح النجاح، كما أن الجزع بوابة الفشل، فالطريق إلى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة محفوف بالصعوبات والعقبات التي تختبر قوة الإنسان وإرادته. فهناك نوازع النفس الأمارة بالسوء، وهمزات شياطين الإنس والجن، والابتلاءات التي تتنوع بين الخير والشر، ولا يقدر على مجابهة هذه التحديات إلا من تسلح بالصبر الإيجابي.
الصبر الإيجابي ليس مجرد احتمال للألم أو المكاره، بل هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، مع المثابرة على السعي والعمل، مهما كانت الظروف. إنه صبر لا يعرف الاستسلام أو الركون، بل يتجاوز العوائق بثبات وثقة. أما الصبر السلبي، فهو صورة من صور الخنوع والاستكانة التي لا تقبلها الفطرة السليمة، ولا يقرها الشرع الحنيف.
وقد أحاط الله تعالى الجنة بالمكاره التي تتطلب مجاهدة النفس، كالتضحية بالمال والجهد، وكبح النفس عن شهواتها. أما النار، فقد أحاطها الله بالشهوات التي تجذب النفس إليها كالإفراط في الراحة، والتهاون، والانغماس في الملذات. وكل ذلك يضع الإنسان أمام اختبار مستمر، لا ينجح فيه إلا من كان صبره أشبه بصبر المريض الذي يبتلع الدواء المرّ لأجل الشفاء. فإن تحمل مرارة العلاج، غلب المرض، وإن جزع واستسلم، غلبه الداء.
وقد أكد الله عز وجل في آيات عديدة أن الصبر هو السبيل إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فقال: "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ"[المؤمنون: 111]، وقال: "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" [الرعد: 24]. بل وجعل الله الصبر سببًا لنيل معيته الخاصة، فقال: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة: 153].
الصبر ليس خيارًا إضافيًا في مسيرة الإنسان، بل هو عماد النجاح وروح الإيمان. إنه الطاقة التي تبقي الإنسان واقفًا في وجه عواصف الحياة، والدرع الذي يحميه من السقوط في براثن اليأس. بالصبر، يعيد الإنسان تشكيل ذاته، ويحول ضعفه إلى قوة، وإخفاقاته إلى خطوات تمهد لنجاح عظيم.
لذا، فإن التحلي بالصبر ليس فضيلة عابرة، بل هو ضرورة لكل من ينشد السمو والرفعة في الدارين. وكلما صبر الإنسان، كان أقرب إلى الفوز برضا الله وسعادة الدنيا والآخرة، فالصبر هو السلاح الذي به تقهر المصاعب، والطريق الذي به تُفتح أبواب الخير والبركة.
تربية، فكر، نهضة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة