لقد اخترت موضوع "سيميائية وأدبية الرسائل الأندلسية" وآثرت ـ ضبطا لحدوده ـ أخذ نموذج واحد لنستشف معالم وحدود أدبية الرسائل الأندلسية، فكان النموذج المختار "رسالة طوق الحمامة في الألفة والألاف " للعلامة أبي محمد علي بن حزم الأندلسي (- 56هـ) رحمه الله تعالى.
ولما كان الرجل ذا ثقافة موسوعية ظهرت في معظم مؤلفاته بما فيها هذه الرسالة، فقد اختير منهج الأدبية ـ رغم عدم تبلوره في الدراسات العربية الحديثة إلا لماما ـ المصطلح عليه بالمنهج الشكلي ( La Formalisme). ولما تعرض البحث لهذه الشخصية الموسوعية كما تعرض لمكاشفات تاريخية تتبع من خلالها ملامح المدرسة الأدبية، وملامح فن الرسائل في الآداب الأندلسية كما استخدم المنهج البنيوي المطعم بالدراسات السيميائية ، والمتعاون مع المنهج الوصفي التحليلي في دراسة قصص الطوق ، فكان لا مناص لنا من اختيار منهج النقد الثقافي الذي جاء ليحمل على عاتقه هذه الخطة المرسومة، والمتبعة لبناء هيكل البحث باعتباره منهجا يجمع بين عديد من المناهج النقدية.
وقد بني هذا البحث ـ بعد المقدمة ـ على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، فالتمهيد يحتوي على لمحة مكاشفة للأدبية مفهوما وتاريخا وموضوعا ومنهجا.
أما الفصل الأول فخصص لدراسة الرسائل الأندلسية، فكاشف هذا الفن في الآداب العربية كما بينت علاقته بالفنون الأخرى كالشعر والخطابة. ثم قاربنا رسالة طوق الحمامة بمساعدة محققيها، واهتمام المستشرقين بها ترجمة ودراسة فاستحضرت ترجمتهم لابن حزم مظهرة أنساقه المتناصة، وتفاعل خطاباته في هذه الرسالة.
والفصل الثاني والثالث كانا فصلين تطبيقيين بينت من خلالهما أدبية رسالة طوق الحمامة شكليا ودلاليا، فكان الفصل الثاني مجالا لإبراز أدبية وسيميائية البنية الشكلية من خلال وصف نص الرسالة وبيان عناصره الماثلة في كل الرسائل الأدبية، كما تناول الحديث عن الخصائص الفنية للبنية الداخلية فدرست السمات الفنية، ووسائل التشكيل التي اعتمدها الأديب في صياغة لغة طوق الحمامة سيميائيا.
والفصل الثالث كان مجالا لإبراز أدبية البنية الدلالية من خلال بيان دلالة الحب، وبعض صفاته وأعراضه وآفاته، بالإضافة إلى دراسة بعض القصص، وتحليلها لإظهار دلالتها، وبيان أهم عناصرها الأدبية، وخصائصها الفنية المحددة لقيمتها الجمالية.
أما الخاتمة فحوصلة لما تقدم في شكل نتائج مختصرة، وما رأينا أنه يحتاج إلى اهتمام ودراسة وتعمق أكثر بينا بعض الإشكالات حوله لتستبين سبيل الدارسين اللاحقين له، مما حدا بالخاتمة أن تأتي كخلاصة لما تقدم عنها، واستشرافا لما ينبغي أن يلحقها.
وكان أهم مصدر معتمد في كل هذا رسالة ابن حزم "طوق الحمامة " بتحقيق محمد يوسف الشيخ، وغريد يوسف الشيخ معا. كما اعتمدت نسخة بتحقيق الطاهر أحمد مكي، وأخرى بتحقيق صلاح الدين القاسمي، ورابعة بتحقيق عفيف نايف حاطوم.
وكانت النسخة المحققة من طرف محمد يوسف الشيخ وغريد يوسف أهم نسخة معتمدة لقربها الزمني في التحقيق(2005م) ولما وصل إليه التحقيق من تطور في العصر الحالي، ولأنها محققة من طرف محققين ما يجعلها أقل أخطاء من الأخريات، وكذلك اعتمدنا نسخة الطاهر أحمد مكي لاضطلاعه في التحقيق ولتخصصه في الأدب الأندلسي وفي رسائل ابن حزم نفسه.
عبد الحليم كبوط | ABDELHALIM KABOT | 4135