العدد السابع ملف العدد
ضعف التعليم الإلكتروني في الوطن العربي / ملف العدد
17/02/2021
عبدالرزاق سعود
تتراءى في أنظار المختصين كثيرٌ من الطموحات والرؤى، التي يسعى أصحابها إلى تحقيق أحلام مستقبلية، تتمثل بإنشاء منصات تعليمية وعلمية تأخذ على عاتقها رفع المستوى التعليمي لطالبي العلم في العالم العربي عن طريق التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني.
نظرة يسودها عدم الاهتمام وفيها شيء من الدونية لمن كانت شهادته عن طريق التعليم عن بعد، بسبب عدم اعتراف كثير من الدول العربية بشهاداتهم، من دون سبب وجيه، في وقت أجبرت جائحة كورونا على التعامل مع هذا النظام بدءأً من الدراسات الابتدائية حتى الدراسات العليا...
في مقالنا هذا نلقي الضوء على أسباب ضعف التعليم الإلكتروني في الوطن العربي، وإلى أين وصل في ظل الظروف الحالية؟
نبدأ من منظمة اليونيسكو التي أحصت 138 دولة اتخذت قراراً بإغلاق تام أو جزئي للمدارس والمجموعات، ما يعني أن 1.37 مليار تلميذ وطالب عبر العالم تأثروا سلباً، أي أنه بين كل أربعة أطفال، ثلاثة تأثروا بهذه الإجراءات. كما توجد دول أعلنت مسبقاً إلغاء بعض الاختبارات النهائية لاقتناعها أن التعليم عن بعد من الصعب أن يوّفر بديلا لها كما فعلت فرنسا.
هذا الأمر لم يكن بعيداً عن كثير من الدول العربية التي اعلنت عدم جاهزيتها، او عدم قدرتها على إدارة مثل هكذا نظام يعد جديدا كليا ويحتاج إلى موارد مالية كبيرة فضلا عن الموارد البشرية الماهرة والعوامل المساعدة مثل الإنتر نت والحواسيب وغيرها.
أستاذ النقد والأدب في جامعة قناة السويس الدكتور عبدالرحيم الكردي من مصر كان له كلمة في هذا الموضوع، إذ وصف التعليم الإلكتروني في الوطن العربي بالمشكلة الكبيرة، مضيفاً أن كل تقنية جديدة تظهر نتيجة للتطور العلمي في أي ركن من أركان العالم لا تكون منفصلة عن المنظومة المعرفية والثقافية التي تسود المجتمع الذي ظهرت فيه هذه التقنية، وغالبا ما تحدث إشكالات في هذا التطور فيؤدي إلى تقدم منقوص أو مشوه، من خلال حصول بلد ما على تقنية متطور ما دون الافادة منها بالشكل الكامل، إذ لا تتعدى نسبة استعمالها عشرة بالألف او أكثر، وهذا ما موجود في كثير من البلاد النامية ومنها بلدان الوطن العربي.
الكردي ردَّ السبب في عدم الافادة من التعليم الإلكتروني أو عدم نجاحه في الوطن العربي إلى أن هذا النوع من التعليم ناتج من مجتمع يسمى حديثا بِـ "مجتمع المعرفة"، وهو المجتمع المتكامل، ولا ينبغي أن نأخذ منه جزءا ونترك الأجزاء الأخرى، والسبب الآخر، يعود إلى أن المخططين للتعليم في الوطن العربي والواضعين للسياسات التعليمية لا يعترفون بالواقع، الذي ينبغي أن يبدأوا به ويدرسوه، وبعد ذلك، يطورونه، لذلك، أصبح المجتمع به طبقتين: طبقة تمثل الفئة المتطورة والبراقة التي لديها جميع وسائل التعليم، ومنها الإلكتروني، إلا أنها لا تريد التعلم، وطبقة فقيرة لا تتوافر لها أبسط مقومات التعليم؛ كالانترنت مثلاً، كما في بعض القرى النائية، فهذه الطبقة ترغب بالتعلم إلا أنها لا تستطيع بسبب ظروفها المادية، وفي هذه الحالة، يجب على المسؤولين على التعليم أن يبدأوا بتوفير الحاجات الضرورية البسيطة في التعليم التقليدي ثم بعد ذلك، يصعِّدون في رفع مستوى الارتقاء في المنظومة التعليمية نحو رأس الهرم.
وأردف الكردي قائلاً: هناك مشكلة أخرى تخص المعلم نفسه، فكثير من المعلمين لم يتدربوا أو لا يحسنون استعمال الوسائل الإلكترونية التي تقوم عليها العملية التعليمية الإلكترونية، مؤكدا أن المشكلات كثيرة في مسألة التعليم الإلكتروني وينبغي ان تحصر هذه المشكلات من خلال دراسات علمية واقعية تُخضِع هذه المشكلات إلى الدراسة والتحليل ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها.
على صعيد متصل كتب الاستاذ والباحث بقسم العلوم السياسية و الاعلام بجامعة بسكرة فؤاد جدو مقالاً تحدث فيه عن المعطيات الحالية بشأن التعليم عبر المنصات بأنه سيصبح له شأن كبير بل سيصبح أحد الركائز التي تقوم عليها العملية التعليمية لأنه يوفر مزايا كثيرة لأنه يوفر الوقت والجهد والمال ويسهل التعليم عبر التفاعل بين المتعلم والمعلم ويمكن من تجاوز عقبات عدم توفر المدارس والتكلفة لبناء مؤسسات تعليمية فالأمر يحتاج إلى كمبيوتر وإنترنت، ولكن هذا لا يلغي التعليم الحضوري، ولا غني عنه، خاصة في العديد من التخصصات التقنية، والطبية، التي تحتاج إلى ممارسة التطبيق والتجريب من طرف المتعلم. مؤكداً ضرورة استمرار العلم والتعلم سواء عبر الطريقة الكلاسيكية أو الإلكترونية لأداء الرسالة العلمية التي تقوم في الأساس على تبادل المعلومات والمعرفة..
أما الاستاذ الدكتور خالد خليل هويدي التدريسي في كلية التربية بن رشد- جامعة بغداد فقال: إنّ التعليم الإلكتروني فرض نفسه بشكل واسع وكبير على جميع المرافق العلمية والتعليمية، سواء أكانت ابتدائية ام اعدادية ام جامعية بل حتى مع طلبة الدراسات العليا، والسبب كما معلوم ما فرضته كورونا على المجتمعات في جميع انحاء العالم، ولا شك أن هذا الخيار خيار التعليم الإلكتروني هو خيار مفروض ولا يوجد سبيل آخر سواه لكي تواصل المؤسسات التعليمية إتمام رسالتها.
وأشار هويدي في معرض كلامه إلى بعض إيجابيات التعليم الإلكتروني، منها: أنه أصبح البديل عن التعليم الواقعي ويكفي به بديلا، بدل الجلوس في المنازل وتوقف عجلة العلم والتعلم والبحث، وعلى الرغم من ذلك إلا أننا لا يمكن لنا أن نقارنه بالتعليم الواقعي، وهو يُعدُّ أخف الضررين إن صح التعبير.
ثم تطرق إلى السلبيات قائلا: إن من عوائق التعليم الإلكتروني في العراق أن بعض العوائل محدودة الدخل من الصعب عليها تحمل تكاليف شراء اللوازم أو خدمة الانترنت، فضلاً عن انقطاع الكهرباء أو ضعف خدمة الانترنت في بعض القرى والمناطق النائية، هذا من جهة ومن جهة أخرى صدمنا بعقبة عدم معرفة أو قلة خبرة الأستاذ أو الطالب بكيفية استعمال التطبيقات الخاصة بإدارة العملية التعليمية الإلكترونية، إلا أن هذه المشكلة كانت آنية في بداية حدوث الأزمة وسرعان ما تجاوزناها من خلال تكيف المستخدمين مع هذه البرامج والتدرب عليها.
ومن المشكلات الأخرى التي ذكرها الدكتور خالد: أن استعمال التعليم الإلكتروني في جامعات العراق خلال الامتحانات ألجأت كثيراً من الدارسين للغش ما أثر سلباً في نتائج الطلاب ومستوياتهم التي ارتفعت بشكل ملحوض قياسا بما كانت عليه قبل أزمة كورونا، مؤكداً أن المشكلة تتم دراستها من خلال استعمال طبيقات وبرامج تحد من هذه الظاهرة، وأن هناك تأقلماً ومجاراةً للمعايشة مع هذا الواقع وتطويع الصعاب، وحل جميع المشكلات.
أما الاستاذ إبراهيم عبد الله الهجري، من جامعة صنعاء، فقد ذكر أن التعليم الإلكتروني في الدول العربية يصطدم على أرض الواقع بالعديد من المعوقات، كما أن تجارب بعض الدول العربية في هذا المجال ما تزال حديثة العهد ومحتشمة، فضلاً عن معوقات تواجه التعليم، والبحث العلمـي والتطور التكنولوجي في الوطن العربي ومنهـا (معوقات سياسية، وإدارية، ومالية، واجتماعية، وثقافية، وعامة)، داعياً إلى إنشاء مراكز للبحــوث العلمية وتطويرها من خلال مدها بـالكوادر الكفـؤة، ووفـق التخصص، ورصد مبالغ كافية لإجـراء البحـوث وتطويرهـا وتجهيزهــا بـشبكة مـن المعلوماتية.
وأكد الهجري أن التقدم العلمــي والتكنولوجي يفرض نفسـه على المجتمع، لذا، يجب مسايرة التطور والتغيير في أساليب التعليم، والبحث العلمي، والتقدم التكنولوجي، في المجتمــع الراقي ومنهـا المجتمع العربي، مع مراعاة ضرورة التنسيـق والتعـاون بين أقطار الوطن العربي في ما بينهم بمجـالات التعليم والبحـث العلمي والتطور التكنولوجي، والاهتمام بضرورة الحد من هجرة الادمغة البحثية والتكنولوجيــة إلى خارج الوطن العربي وضـرورة توطينها وتشجيعها .
في هذا السياق، يقول مصطفى تاج، المشرف التربوي في المغرب: إن التعليم عن بعد كان لينجح أكثر على الصعيد المغربي لو توفرت الشروط لإنجاحه، ومنها توفر تكوين مسبق لدى هيئة التدريس في مجال التعليم عن بعد، وكذا استعداد التلاميذ وتهيئتهم لمثل هذا النوع من التعلم، مضيفاً أن تحديات التعليم عن بعد جاءت لتضاف إلى تحديات أخرى تعيشها النظم التعليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستشهداً بتقرير للبنك الدولي الذي يؤكد أن نظم التعليم في هذه الدول "جامدة بشكل كبير"، وتعاني عدة مشاكل منها التركيز على الشهادات أكثر من المهارات، والحرص الزائد على الانضباط بما يؤدي إلى التحفيظ والتعلم السلبي.
وأشار مصطفى تاج، أيضاً، إلى مشكلة أخرى تخصّ التخبط الذي تعرفه السياسة التعليمية في أكثر من بلد وأثر ذلك في إنجاح أيّ مشروع للتعليم. ويعطي المثال على ذلك من المغرب الذي شهد قرارات مرتجلة ومتغيرة، خاصة في طريقة انتقاء الأساتذة وتشغيلهم، فهناك منهم من حصلوا على تكوين لسنتين، وآخرين لم يتجاوز تكوينهم السنة، وهناك من بدأ العمل بتكوين سريع لم يتعدّ بضعة أسابيع.
ونختم حديثنا مع الدكتور أحمد الجنابيّ المحاضر المنتدب في كلية المجتمع في قطر، الذي قال: إن واقع التعليم الإلكتروني في الوطن العربيّ يختلف من بلد إلى آخر، فبعضهم، للأسف، لا يعرف عنه شيء، وقد اضطرته الأزمة الصحية الحالية إلى اللجوء إليه، وحينئذ فهو مبتدئ جديد في التعليم الإلكتروني، وقد قرأت خبرًا قبل كورونا أن الجامعة الفلانية ببلد عربيّ تحتفل بافتتاح أول قاعة إلكترونية، في حين أن القاعات الإلكترونية في دول خليجية كلها إلكترونية، فهي دول متقدمة في التعليم الإلكتروني، ولذلك تحصل على ترتيب عال بين جامعات العالم، وتصنّف ضمن مستويات مرتفعة.
وذكر الجنابي تجربة له عند التحاقه بكلية المجتمع في قطر محاضراً عام 2018، فقبل ثلاث سنوات وما زال يتعامل مع الطلبة عبر المنصّة الإلكترونية، فالطالب أو الطالبة يرسلون واجباتهم في أي وقت من ليل أو نهار، ويأتي إشعار لمدرس المادة بكل جديد، منوهاً بأن الانتقال للتعليم الإلكتروني في الأزمة الصحية لم تحتج إلى برامج وأجهزة ومنصات وتطبيقات، قائلا: لقد كنا جاهزين قبلها، ولذلك لم يكن التغيير مفاجئًا، ولا المستجدات صعبة لا على الطالب، ولا على الأستاذ، ويعتقد الجنابي أن التعليم الإلكتروني هو المستقبل، لذلك من الأهمية مواكبته، ومتابعة مستجداته أولًا بأول.
العدد السابع التعليم الإلكتروني ، التعليم الإلكتروني في الوطن العربي ، كلية المجتمع ،مواضيع ذات صلة