وريقات عالم


حروب الجيل السادس وخطر النزاع العالمي (ج2)

طيار مهندس/ محمد الشعلان | Capt. Mehmed asch-Schaalan


19/02/2023 القراءات: 1503  


إن خطر النزاع الحاصل بين روسيا وأوكرانيا اليوم، لم يتمثل في العداوة بين الغريمين؛ فهي كانت وما زالت، لكن في طريقة توظيف الذكاء الصناعي لاستهداف النظم العسكرية والمؤسسات والأفراد وصناعة الشيطنة المعلوماتية وتزييف الحقائق لدحر الخسارة أو كسب تعاطف الموالين من أجل تحقيق أغراضها، وكذا في صناعة فصائل مدعومة من حكومات الدول لإدارة حروب كاملة عن بعد.

يمكننا أن نرى حروب الجيل السادس كشكل من أشكال التطور الإنساني الكبير، وليس بالمطلق، لكن تصل بنا إلى تصميم متكامل دقيق للفكرة التي نريد أن تقع فيها دولة أو فرد أو مجموعة، مستخدمين في ذلك وسائل متطورة جدّاً، وتعد الحرب الإلكترونية شكلاً من أشكال حروب الجيل السادس، وهي الأخطر على العالم من الحروب النووية وأسلحة الدمار الشامل إذا وظّفت لحرب خاطفة، وهي لا تتطلّب ميزانية ضخمة لتطوير الأسلحة وتحسينها، كما لا تسبقها أي مؤشّرات ما يصعّب كشفها والتنبؤ بها، فالنمط الافتراضي احتكره محاربو الحرب الإلكترونية والمتمثلة في جيش أوكرانيا الإلكتروني الذي فرض نفسه بقوة في قلب موازين النزاع بين روسيا وأوكرانيا الذي توقع (فلاديمير بوتين) أنه سينتهي بسحق الجانب الأوكراني في غضون أيام، حتى أثبتت الأيام أن لدى الجيش الأوكراني سلاحاً سرياً أقوى من مدافع الكلاشينكوف وصواريخ افنجارد وطائرات السوخوي، ألا وهو سلاح الحرب المعلوماتية والسيبرانية المتمثلة في جيش أوكرانيا الإلكتروني ITArmyUKR) IT ARMY OF UKRAINE).

وفي هذا الموضع يقول فيكتور زورا، نائب رئيس الدولة لشؤون الأمن والاتصالات "أوكرانيا تخوض أول حرب افتراضية في العالم، وأعتقد أن الحرب الإلكترونية لا يمكن أن تنتهي إلا بنهاية الحرب التقليدية، وسنفعل كل ما في وسعنا".

جيش أوكرانيا الإلكتروني هو مجموعة تخضع جزئياً لإشراف الحكومة الأوكرانية، لكن أعضاءه هم من يقررون ساعة الصفر في كل هجوم خاطف، ويضم هذا الجيش أكثر القراصنة والمخترقين "هاكرز" رعباً في تاريخ البنتستينج (Pentesting) وأكثرهم فتكاً بالأنظمة والشبكات الدولية من دون أن تشعر بهم قوات دفاع أمن شبكات المستهدف، ولكم أن تتخيلوا أن هؤلاء أصبح لديهم القدرة على احتلال الشبكات المحلية في روسيا والسيطرة على خوادم الأجهزة الأمنية الروسية وتسريب ملفات قيادات العسكريين داخل روسيا وخارجها وإمداد الدفاع الأوكراني بأدق المعلومات المتعلقة بتحركات الجيش الروسي المتوغل في أراضيها والكشف عن هوية كل أفراد العسكريين وتصفيتهم، ما جعل الرئيس الأوكراني (فلوديمير زيلينيسكي) يأمر قيادات وزارة الدفاع الأوكراني باستحداث سلاح طيران خاص بالطائرات المسيّرة لقنص الجنود الروس مثل صيده العصافير على شجر صنوبر في الربيع، وتدمير كل القطع الحربية المتوغلة في أنحاء البلاد، ما جعل الزحف صوب كييف أشبه بالمهمة الانتحارية.

يقول (هارف كزافيير) الخبير الأمني وعضو الجيش الإلكتروني الأوكراني، وأحد منفذي أخطر هجوم إلكتروني لعام 2022 على أنظمة خدمة يانديكس تاكسي Yandex Taxi، ما تسبّب بازدحام مروري هائل في موسكو وخسارة مالية كبيرة للشركة: "ينقسم القراصنة الذين انضموا إلى المجموعة إلى وحدات إلكترونية هجومية ودفاعية. في حين أن وحدة القراصنة الهجومية تساعد الجيش الأوكراني في إجراء عمليات تجسس رقمية ضد القوات الروسية، أما الوحدة الدفاعية فستقوم بالدفاع عن البنية التحتية مثل محطات الطاقة وأنظمة المياه وشبكات الكهرباء والاتصالات والسكك الحديد".

في 28 شباط/فبراير الماضي، اخترق الهاكرز الموقع الإلكتروني لبورصة موسكو Moscow) Exchange). أعلن جيش تكنولوجيا المعلومات أن الأمر تطلّب منهم خمس دقائق فقط للوصول إلى الموقع. وفي اليوم نفسه، اختراق سبيربنك (Sber bank،) أكبر بنك في روسيا وأوقع خسارة بالملايين. في اليوم التالي، شن جيش أوكرانيا الإلكتروني هجمات على مواقع روسية وبيلاروسية أخرى، بما في ذلك المواقع الحكومية لروسيا وبيلاروسيا، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) ووكالة الأنباء البيلاروسية الحكومية (بيلتا)، من بين مواقع أخرى. لم تسلم وكالة الفضاء الروسية روسكوزموز (Roscosmos) هي الأخرى من مخالب قراصنة الجيش الإلكتروني، إضافة إلى ثمانمئة موقع روسي آخر، وذلك في الفترة الممتدة من 27 حزيران/يونيو إلى 10 تموز/يوليو، ونشروا رسائل تهنئة بيوم الدستور الأوكراني على تلك المواقع.

وإلى جانب ذلك، أدت هجمات رفض الخدمة الموزعة التي نفذها جيش أوكرانيا الإلكتروني إلى تعطيل قدرة روسيا على العمل في بعض أنظمة إدارة علاقات العملاء فترات طويلة. وفي الفترة الممتدة من 26 شباط/فبراير إلى 30 تموز/يوليو أفادت وزارة التحول الرقمي بوقوع هجمات إلكترونية على أكثر من 6 آلاف مصدر ويب روسي، وكذا جرى استهدافها لموقع مجموعة فاغنر (Wagner) وسرقت بيانات شخصية لأخطر عملائها ومعلومات عن المرتزقة الذين جندوا حديثاً. أخيراً، تمكن جيش أوكرانيا الأوكراني من تنفيذ هجوم ناجح على منظمة الحرس الشاب (روسيا الموحدة)، كذلك اخترق موارد وحصل على بيانات مثيرة للاهتمام من هناك، وكانت هذه البيانات مهمة جداً وستساعد في الحرب على روسيا لكونها تخفي بين طياتها جرائم الحرب وإجراء "استفتاء الانفصال" لإقليم الدونباس (جنوب شرقي أوكرانيا) لضمه إلى روسيا الاتحادية، وهو إجراء في نظر الكثيرين غير قانوني.

وأخيراً وليس آخراً، فإنه قد يسيء قول ذلك إلى المجتمع الإلكتروني، لكن الهجمات الإلكترونية مبالغ فيها. في حين أنها لا تقدر بثمن بالنسبة إلى عمليات التجسس، لكونها حاسمة في النزاع المستمر بين روسيا وأوكرانيا. إن الهجوم السيبراني المحض، غير كافٍ لإجبار أي خصم، فضلاً عن أكثر الخصوم هشاشة، على قبول الهزيمة.


الصراعات، حروب الجيل الخامس، حروب الجيل السادس، الجيل السادس، المستقبل، الجنس البشري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع