مدونة د سالم أحمد باوادي الحسني


تكنولوجيا بدون ايدلوجيا. التربة في ظل تكنولوجيا المعلومات كيفية المواجهة

د سالم أحمد باوادي الحسني | salem ahmed bawadi


19/06/2020 القراءات: 3185  



سنوضح في هذا الموضوع مجموعة من قضايا , لا شك أنها تهمنا غاية الأهمية, في عصر تكنولوجيا المعلومات والتواصل الالكتروني وانتشار المعرفة.
اولها: تكنولوجيا بدون ايدلوجيا, كثير منا قد يحاول, أو يتصور الفصل بين القضيتين , وهذا قلة الوعي بتحولات العصر, قد يظن البعض أن التكنولوجيا عبارة عن, أدوات, وأجهزة ذكية , وشبكات الكترونية, وغيرها , وأنها خاوية من المحتوى المعرفي, مجرد أدوات صماء الإنسان هو الذي يشكل فكرها, وهذا قصور بالغ في الفهم, لأن التكنولوجيا اليوم غالبا يرافقها محتوى معرفي كبير, علمنا ذلك أم لم نعلم, من أبرز وظائفها , نقل المعرفة, وكسر الحواجز أمامها, هي وسيلة لكم معرفي متنوع عابر للحدود. والكل اليوم في مأزق خطير, المستهلك والمصدر أيضا, لأن التكنولوجيا تحمل حقول معرفية واسعة جدا, يتم تداول ملايين المعلومات في الدقائق, لم يسبق لها مثيل في التاريخ , هذه المعرفة المتدفقة من خلال التكنولوجيا الذكية والسهلة, تحمل في طيتها ايدلوجيا وفكرا وقيما واخلاقا وسلوكا وجملة من معارف .. الخ, في المقابل المتلقي والعقل المسلم واقف أمام هذا الكم الهائل عريانا, فكريا وقيميا, الكل في مأزق خطير اليوم في الجانب العقدي والتربوي والفكري, أمام هذا التبادل المعلوماتي والمعرفي الهائل, فإن ضربة البرد أكثر ما تؤلم, ويكون لها الأثر البالغ إلا على من يقف أمامها عرينا, فكريا , وأدبيا, وعقديا. عندما نقف أمام هذه الموجة ونحن عرايا من أي استراتيجية للمواجه يكون الوقع علينا بالغ الأثر.
عندما تجد أبنك أو أبنتك قد تغيرت أفكارها اتجاه كثيرا من القضايا, تغيرت أفكاره حول قضايا تعدها أنت مسلمات خلقية وقيمية وعقدية, عندها تدخل في موجة من الانفعال والاضطراب اللاواعي, لأنك لم تكن تتوقع ذلك, لأنك كنت تظن أن تكنولوجيا المعلومات مجرد أدوات وأجهزة للعب والتسلية وتواصل لا غير. هنا تكمن المشكل, في التصور, إدراك الشيء فرع عن تصوره كما يقال.

القضية الأخرى؛ التكنولوجيا المعلومات والتربية. هذه قضية أخرى تقلق مضجع المجتمعات والأسر والآباء والأمهات, التربية بطبيعتها هي وسيلة نقل الثقافة والمعارف والعقائد والقيم إلى الأجيال, كان قديما يقال الذي يعالج التربية كالذي يسبح عكس التيار, أما اليوم الأمر أصعب وأعقد من ذلك ,بل اصبحت التربية أصعب من صعود الانسان على سطح القمر أو ربما على سطح المريخ كما يقال, التربية هي التي تشكل عقل ووجدان وفكر جيل المستقبل , وكانت هذه مهمتها على مدار التاريخ, أما اليوم بكل بساطة يمكن أن تقول " لا" . فقد اختلف الأمر كثير, لم تعد التربية هي الوسيلة الوحيدة, بل اصبحت تكنولوجيا المعلومات لها الأثر البالغ في تشكيل عقول ووجدان الشعوب وقيمهم, فلابد أن يتم اصلاح التربية, حتى تستطيع أن تواكب التطور في تكنولوجيا المعلومات, لا يوجد حل آخر. إذا بقيت التربية متخلفة, عن مواكبة التطورات والتحولات في تكنولوجيا المعلومات, يصبح حالنا كالذي يركب حمارا مثقل بالهموم, ويريد أن يسابق سيارة من جيل الألفية الثانية.
تكنولوجيا المعلومات وما تسببه من تحول هدت جميع الوسائل التي كنا نعتمدها لتعامل مع أولادنا وبناتنا في التربية, وهذه قضية لا بد أن تفهمها الأسر والآباء والمجتمعات, الكل في مأزق خطير, الذي سمح لهذه التكنولوجيا تدخل إلى عرين أطفاله وبناته, يعاني اليوم من كيفية التعامل معها, وتعامل صغاره مع هذا السلاح الفتاك الذي لا يعرف لها حدودا. والذي يمنع ذلك أيضا في مأزق خطير, في مواجهة ومعالجة سلوك الحرمان الذي يشعر به صغاره, في مجتمع مفتوح على من حولهم, فتتربى عنده عقد نفسية خطيرة, قد تنفجر يوما ما على كوارث, إذا الكل في مأزق.
صرخة مدوية؛ نحن مطالبون بتغيير كثير من وسائلنا وأفكارنا وأدواتنا, وإلا صرنا مثل صحاب الحمار الذي يريد مسابقة سيارة من الألفية الثانية. إذا لم نفكر في التغيير الذي الكثير منا لا يستسيغه النتيجة وخوفا منه أو لأسباب أخرى سنذكرها لاحقا.
فرص لا تحديات:
هنا أريد أن ابعث شيئا من الأمل, قلنا آنفا, أن الكل في مأزق خطير؛ المصدر والمستورد لتكنولوجيا المعلومات, لكن الفرق فقط في كيفية المواجهة. امريكا التي تصدر قيمها بشكل نوعي وجذاب عبر كل وسائلها الهائلة, هي أيضا مفتوحة للجميع أن يغزوها, وتؤثر وتتأثر, وكل العالم كذلك, بل هم أسوى حالا منا, لماذا نحن في قلق كبير و نفقد معه تركيزنا وعقولنا, نحتاج إلى قليل تعقل , وتفكير, الكل يعاني, كما قال الله سبحانه وتعالى ("إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون"). الأسرة في الغرب انتهت منذ الثور الصناعية, ثم أتت الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وقضت على أطلالها, تحت تفسيرات ومبرات وجودية سارتر, وبرجماتية وليام جيمس.
أربعوا على أنفسكم فلا زالت شريعة محمد عليه الصلاة حية فينا وإن كنا خسرنا الكثير من مواقعنا وتراجعنا, ولكن لم نخسر كل شيء, الحضارة الوحيدة عبر التاريخ التي ذهبت دولتها ووحدتها وقوتها , ولكن لازال مقوماته موجودة والتمسك بها لازال حي, والأمة تعرضت لهجمات كثيرة عاتية ولكن هذه الموجة التي نواجها اخطر هجمة عبر التاريخ توصل إلى ديارنا وتهتك استارنا, أكثر من كل الحملات السابقة , ابتداء من الحملات الصليبية و حملة نابليون وحملات التبشير التي انطلقت في بدايات القرن الماضي, حتى اطلق عليها " غارة على العالم الاسلام". فلو بعث اليوم مؤلف الكتاب ( شاتليه) أو ناقله إلى العربية العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله, ونظرا كم بلغ عدد المسلمين في أوربا وروسيا وأمريكا, لما الف المؤلف الكتاب, ولا سكنت مخاوف محب الدين الخطيب رحمه الله, رغم أن أعلب بلاد المسلمين يعلوها اليوم دخان أسود قاتم.
المشكلة في العقل المسلم اليوم أنه ينظر إلى هذه الأمور أنها تحديات فحسب, ولا يريد أن ينظر لها أنها فرص في الوقت نفسه, هنا الاشكال, حتى الأب , داخل البيت ينظر لها أنها تحديات فحسب لا تحمل اي فرص لأفاق جديدة في التربية, تعرفون لماذا يسيطر علينا هذا


ضمر الصفا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع