مدونة سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي


الفتوى في النوازل الشروط والضوابط 3

سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي | Sidi Mohamed Ahmed Issa Moustapha Ahhmedheye


09/10/2020 القراءات: 4565  


المحور الثالث: الشروط والضوابط:
بعد أن عرفنا المراد بالفتوى، والمراد بالنازلة، يجدر بنا أن ندلف إلى شروط الإفتاء في النوازل المعاصرة، فنقول وبالله التوفيق إن للإفتاء في النوازل من الشروط ما لجزئيها من شروط، أي ما للإفتاء من شروط، وما يزيد به الإفتاء في النوازل على مطلق الفتوى من شروط كذلك.
لذلك فالإفتاء في النوازل يحتاج:
1. تأهيلا شرعيا للمفتي، ويتضمن ذلك:
• معرفة ما يحتاج إليه في الفتوى من الكتاب.
• ما يحتاج إليه في الفتوى من السنة.
• أصول الفقه
• مقصاد الشرع بشكل عام
• مقاصد الشرع في الباب الذي وقعت النازلة فيه.
• مقاصد الشرع من الأدلة الجزئية الحاكمة للمجال محل النازلة.
• أماكن الإجماع والخلاف عند الأقدمين
• اللغة العربية
2. تأهيلا واقعيا ويتضمن:
• معرفة دلالات الألفاظ المكونة للسؤال عن النازلة، وهذا مختلف عن معرفة اللغة، إذ لكل قوم وزمان ومكان مصطلحاته الخاصة، ومن لا يعرف العرف الاجتماعي لأمة لا يحل له الإفتاء لها، لأن ما يتصور قد يكون غير ما يقصد المستفتي.
• معرفة الواقع المعاصر، وعلاقته بالشرع، من حيث قربه أو بعده منه، ومن حيث ما يجلب المشقة للناس، وما يرفعها عنهم، ومن حيث ما يستدعي غاية الترخص، وما يستدعي غاية الشدد، فيأخذ من كل ذلك بالأوسط الأعدل.
• معرفة المآل، بمعنى: إلى ما ذا يؤدي الأخذ بالاحتمال "أ" أو "ب" من المحتملات الشرعية لهذه الفتوى.
3. استقامة شخصية: والمراد منها:
• التزام المفتي لأوامر الله نواهيه، فلا يحل للفاسق أن يفتي، ولا يحل لذي النازلة أن يستفتيه.
• وفي شأن الفتوى لا يحل التسرع، ولا عدم التروي؛ لأن ذلك نقيض القصد الشرعي من استعباد المستفتين بالنظر في الأدلة الشرعية.
وأما الضوابط فنذكر منها من غير ما مرت الإشارة إليه ما يلي:
1. تقوى الله وإرادة وجهه سبحانه.
2. الإخلاص والتجرد، وعدم التعصب لغير الحق.
3. التروي وعدم التعجل.
4. التعقل والتبصر، فأن يعجز المفتي عن البلاغ خير من أن يبلغ ما يشك في صدقه، فلا أقل من أن يصل إلى الظن، إن لم يصل إلى اليقين.
5. مراعاة التوسط في التشديد على الناس والتخفيف عنهم، فلا يقصد أصالة أيا من الاثنين، وإذا وجد سبيلين إلى التخريج يختار أوسطهما، وأعدلهما، وأصلحهما لحال الناس.
6. مراعاة حال الأمة التي يفتى لها من قوة وضعف، ومن تمكن، وتكوين، فإن كانت أمة ضعيفة كان الميل إلى الترخيص أولى، وإن كانت قوية كان الأخذ بالعزائم أولى.
7. الحذر من أن تخرج الفتوى عسيرة التطبيق نظرا لبعدها من واقع الناس، فمثلا لو أن مفتيا أفتانا بمشهور مذهب ابن القاسم من عدم جواز الجمع بين صرف وبيع في صفقة واحدة، لكان في ذلك عسرا علينا، وأصبح التنقل بين الأماكن، وشراء المحقرات مستحيلا، لأن هذه النقود لا تستقيم بدون صرف، والصرف لا يغلب أكثر الناس تقديمه بدون مقابل، وأخذه بمقابل ربى صريح، فلم يكن بد للمتوسط من المفتين من أن يختار قول أشهب وغيره من العلماء بجواز الجمع بين صفقتين جائزتين، هربا من الأجرة على الصرف، ومن تعسير الحاجي الكلي.
8. البعد عن الشذوذ، وغرائب الأقوال.
9. ومن الضوابط التي لا خلاف فيها: (حتى عند من يرى عدم جواز الاجتهاد الجماعي) بحث المفتي عمن يواطؤه على فتواه، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك، فأرسل أبو موسى إلى ابن مسعود كي يواطئه، وكانوا يكرهون الشذوذ، ويحبون أن يواطئهم غيرهم من أهل العلم على فتاويهم.
10. هذا ومن جعل الله غايته، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوته، والموت بين عينيه، والحساب أمام نظر قلبه، هان عليه ما يقوله الناس عنه إن لم يوافقهم، ولم يفرح بوفاقهم فرح بطر، وظل يسبح من لا تخفى عليه خافية، ويتذكر أن "فوق كل ذي علم عليم"، فيقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمنا إنك أنت العليم الحكيم.
خاتمة:
هذا ما أردت بيانه، والموضوع طويل، ومبثوث في كتب أهل العلم، أصولا وفروعا.
على أن العصر الحديث يحتاج زيادة انتباه لمراعاة مقاصد الشريعة، على أن مقاصد الشريعة لا يمكن أن ينظر فيها من لا يستوعب نصوصها؛ لأن التقصيد فرع عن النص، ولا يمكن (كما قال الغزالي) تصديق رجل في دعواه الإحاطة بمقاصد قوم لا يعرف لغتهم.
والله نرجو التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الفتوى، النوازل، الفقه، الشروط، الضوابط


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع