ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ - ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½. ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½

العدد168 ، يوليو 2007

محتويات العدد

الرئيسية

الافتتاحيــة

ملف العدد

لقاء العدد

قضايا السياسة الدولية

دراسات

تصدير النفايات الخطرة إلي إفريقيا
د. خالد السيد المتولي

ملف العدد .....

تتمتع كافة الدول بحق القيام بالأنشطة اللازمة لاستغلال مواردها الطبيعية طبقا لسياستها البيئية، ووفقا لالتزامها الدولي بحماية البيئة والحفاظ عليها، وبضمان ألا تتسبب تلك الأنشطة في إحداث ضرر بالبيئة الخاصة بالدول الأخري(1)، أو ببيئة المناطق التي لا تخضع للاختصاص الوطني، أو الإضرار بصحة وممتلكات رعايا الدول الأخري.

وتنقسم الأضرار التي تسببها الأنشطة، التي تقع خارج الولاية الإقليمية للدولة الفاعلة أو سيطرتها، إلي ثلاث فئات، الفئة الأولي: تشتمل علي الأضرار التي تعتبر طفيفة بوجه عام، وينتظر أن تتغاضي عنها الدول دون تعويض. الفئة الثانية: وتشتمل علي الأضرار التي لا ينتظر التغاضي عنها ما لم توافق الدولة المتضررة، أو مقابل دفع تعويض. الفئة الثالثة: وتتألف من الأضرار المدمرة التي لا ينتظر، بوجه عام، التغاضي عنها علي الإطلاق. وعادة، يكون من اليسير تحديد الأنشطة التي تؤدي إلي الفئة الثالثة من فئات الأضرار، لأن تلك الأنشطة تصنف عادة بأنها أفعال يحظرها القانون الدولي لعدة اعتبارات منها الحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، أو حماية الصحة البشرية أو البيئة الإنسانية، كما تصنف بأنها أفعال غير مشروعة دوليا أو جرائم دولية، كالتلويث الجسيم للجو أو البحار، والاتجار غير المشروع بالنفايات الخطرة(2).

دوافع تصدير النفايات الخطرة إلي إفريقيا :

كثيرا ما تتجاوز الدول الصناعية الاشتراطات الصحية والبيئية في المنتجات التي يتم تصديرها إلي أسواق الدول الإفريقية، كالأدوية(3) والمبيدات بكافة أنواعها، والنفايات والكيماويات السامة والخطرة.. ومنتجات كثيرة أخري.

وتشير التقارير إلي أنه أصبح من المشاهد المألوفة في البلدان النامية مشهد البراميل المعدنية الصدئة المليئة بمبيدات خطرة ومهجورة تتسرب منها بانتظام، وباتت هذه المخلفات الكيميائية الشر الذي يهدد عالم الزراعة بدلا من أن تحميها، ولم يعد خطر هذه المخلفات قاصرا علي الزراعة وبيئتها وحدها، بل أصبح يتهدد صحة البشر، ومن ثم التنمية. وأكثر التقديرات محافظة تشير إلي أن هناك ما يزيد علي 100 ألف طن متري من المبيدات المهجورة في الدول النامية، وما يقرب من 20 ألف طن منها في إفريقيا وحدها. وتعد طريقة الحرق في درجات حرارة عالية في الأفران المخصصة للمخلفات الخطرة الأسلوب الموصي به في الوقت الحاضر للتخلص من المبيدات المهجورة. غير أن هذه المحارق الحديثة المتقدمة لا تتوافر في الدول الإفريقية. ومن الضروري تعبئة المبيدات من جديد، حيثما توجد في الحقول، ونقلها برا إلي ميناء رئيسي ثم بحرا إلي بلد تتوافر فيه مرافق مخصصة للتخلص من النفايات الخطرة. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة تكاليف هذه العمليات بما يتراوح بين 3000 و4500 دولار للطن الواحد. وحري بالذكر أنه نفذت في أوغندا عملية للتخلص من المبيدات المهجورة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية في إطار برنامج التعاون الفني في منظمة الأغذية والزراعة. كما نفذت عمليات مماثلة للتخلص من المبيدات، قامت بها منظمات أخري، ولاسيما حكومة هولندا، والوكالة الألمانية للتعاون التقني، وشركة 'شل' والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في كل من النيجر، وزنجبار، وموزمبيق، ومدغشقر، وتنزانيا، وموريتانيا. وهناك حاجة عاجلة للاضطلاع بمثل هذه العمليات لإزالة المبيدات الخطرة في جل البلدان الإفريقية. وتشير الإحصاءات إلي أن نحو 30% من صادرات الولايات المتحدة من المبيدات كانت من الأنواع المحظور استخدامها في الولايات المتحدة ذاتها، وترتب علي استعمالها أضرار بيئية وصحية خطيرة في دول عديدة، منها مصر في سنوات 71، 73، 4791. وفي عام 1975 ، صدرت شركة فيلسيكول الكيماوية، مبيدا مهيجا للأعصاب إلي ثلاثين دولة، وقد تم توجيه أكثر من نصف صادراتها من هذا المبيد إلي جمهورية مصر العربية، ونتج عن استخدامه في مصر وفاة العديد من المزارعين المصريين، وإصابة أعداد أخري بتشنجات خطيرة، وبالرغم من ذلك استمرت الشركة في التصدير(4).

ومما يدعو إلي الأسي أن الدول المتقدمة تصدر العديد من المواد والنفايات الخطرة والسامة إلي الدول الإفريقية وتحقق من وراء ذلك أرباحا طائلة، ثم تستخدمها هذه الدول في إنتاجها فترفض الدول المتقدمة دخول المنتجات التي دخلت فيها هذه المواد إلي أسواقها، أي أن الدول الإفريقية تخسر عدة مرات، الأولي: عند استيراد مواد خطرة أنفقت عليها الملايين. الثانية: تتمثل في الأضرار الصحية والبيئية المترتبة علي استخدام تلك المواد بالنسبة للإنسان والحيوان والنبات. والثالثة: تتمثل في الخسارة المترتبة علي رفض الدول الصناعية دخول المنتجات الإفريقية إلي أسواقها. الرابعة والأخطر: تتمثل في أن تلك المنتجات تعود ليتم استهلاكها -غالبا- بواسطة شعوب الدول الإفريقية المصدرة لها.

ولا شك أن أبرز الأنشطة التي يترتب عليها ضرر بيئي عابر للحدود، قيام الدول الصناعية بتصدير نفاياتها الخطرة إلي الدول الإفريقية، سواء لغرض التخلص النهائي منها أو لإعادة تدويرها، حيث ينشأ عن عدم التعامل مع تلك النفايات بطريقة سليمة بيئيا، سواء أثناء نقلها أو التخلص النهائي منها أو إعادة تدويرها، أضرار صحية وبيئية واقتصادية فادحة .

فقد كانت الدول الصناعية تتخلص من نفاياتها الخطرة بأساليب تقليدية منخفضة التكلفة وغير سليمة بيئيا، كالطمر والتخزين في مستجمعات سطحية، والحرق في الآبار العميقة. ولكن بعد فترة من الزمن، تبين أن الآلاف من تلك المواقع أصبحت خطرة، خاصة عندما تسربت منها أحماض التآكل والمواد العضوية والمعادن السامة التي تم طمرها، وهددت الصحة العامة ولوثت المياه الجوفية والتربة. حينئذ، اتخذ واضعو السياسة في الدول الصناعية إجراءات علاجية لتلك المواقع. وفي عام 1990، حددت وكالة الولايات المتحدة لحماية البيئة 32 ألف موقع علي أنها مواقع محتملة الخطورة، ويحتاج 1200 موقع منها إلي اتخاذ إجراءات علاجية عاجلة بتكلفة مائة مليار دولار. وفي أوروبا، تم تحديد أربعة آلاف موقع ضار في هولندا، و3200 موقع في الدنمارك ونحو 50 ألف موقع في غربي ألمانيا. وتشير التقديرات إلي أنه يلزم نحو 30 مليار دولار لمعالجة هذه المواقع في غربي ألمانيا، وستة مليارات دولار لهولندا. ويوضح ذلك مدي ضخامة التكاليف التي سببها التخلص من النفايات الخطرة في الدول الصناعية بأساليب غير سليمة بيئيا(5).

ومن الغريب أن الدول الصناعية التي عجزت عن علاج مشكلة نفاياتها الخطرة، ولم تتحمل ميزانياتها الضخمة تكاليف التخلص النهائي منها بطريقة سليمة بيئيا، وتدافع دائما عن حقوق الإنسان في البلدان النامية، قد تناست تماما حق الشعوب الإفريقية في العيش في بيئة سليمة وصحية وقامت بنقل صناعاتها الملوثة للبيئة إليها -وهو ما يعرف بظاهرة 'هجرة الصناعات القذرة'(6)- كما قامت باستخدام أراضيها -منذ السبعينيات من القرن الماضي- كمواقع للتخلص من نفاياتها المشعة والخطرة، باعتباره الوسيلة الأرخص حيث تتراوح تكلفة التخلص من الطن الواحد من النفايات الخطرة بطريقة سليمة بيئيا في الدول المتقدمة ما بين ألفين وثلاثة آلاف دولار أمريكي، في حين أن تكلفة دفنها في أقاليم الدول الإفريقية لا تتعدي العشرة دولارات للطن الواحد، والفرق في التكلفة تدفعه الدول الإفريقية من صحة شعوبها وسلامة بيئتها، وهو الأمر الذي يمثل ربحا حقيقيا لأعمال التصدير. وربما يكون الأمر كذلك بالنسبة لأعمال الاستيراد التي تتم أحيانا بموافقة الحكومات الإفريقية، خاصة التي تبحث عن موارد للحصول علي العملة الصعبة من أجل تسديد ديونها الخارجية ومواجهة المشاكل الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها، كالبطالة، ورفع الحد الأدني اللازم للمعيشة.

فعلي سبيل المثال، نجحت إحدي الشركات الغربية 'سيسكو' في الحصول علي موافقة مكتوبة مسبقة من حكومة دولة بنين علي قيام الشركة بنقل خمسة ملايين طن سنويا من النفايات الخطرة إلي دولة بنين مقابل حصول الحكومة علي دولارين ونصف دولار فقط للطن الواحد، في حين تدفع الشركات الصناعية الأوروبية التي تتولد عن أنشطتها هذه النفايات ألف دولار لشركة 'سيسكو' لقاء التخلص من الطن الواحد. كما تشير التقارير إلي أن حكومة جمهورية بنين قامت، خلال الفترة من 1984 إلي 1988، باستيراد عدة أطنان من النفايات المشعة من الاتحاد السوفيتي لغرض التخلص النهائي منها. كما أجرت في الوقت ذاته مفاوضات ثنائية مع الحكومة الفرنسية من أجل استيراد نفايات مشعة وخطرة فرنسية مقابل حصولها علي 1.6 مليون دولار ومساعدات اقتصادية لمدة 30 سنة. كما وقعت عقدا مع شركة أنجلو- أمريكية 'Sesco-Gibraltar'، تلتزم دولة بنين بمقتضاه بتخزين 50 مليون طن من النفايات السامة لمدة عشرة سنوات.

وهناك دلائل علي أن فرنسا قامت بالتخلص من نفاياتها الخطرة في أقاليم الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية 'الفرانكفونية'. كما قامت هيئات تابعة للقوات المسلحة الأمريكية في غضون عام 1978 بتصدير نفايات خطرة تحت مسمي 'سوائل منظفة' إلي دولة زيمبابوي. وفي عام 1979، عرضت شركة أمريكية علي حكومة سيراليون 25 مليون دولار من أجل استخدام أراضيها كموقع للتخلص من النفايات. كما طلبت مؤسسة 'لينداكو' الأمريكية إذنا من الحكومة الأمريكية بشحن ستة ملايين طن من النفايات الخطرة إلي 'غينيا بيساو' بمعدل 15 ألف طن أسبوعيا، مقابل 40 دولارا للطن الواحد. كما قامت إيطاليا بتصدير نفايات خطرة إلي نيجيريا، ولكن نجحت الحكومة النيجيرية في إلزام إيطاليا بإعادة تلك النفايات مرة أخري(7).

كما ساهمت عوامل أخري - بجانب العامل الاقتصادي- في زيادة حالات التخلص من النفايات بطريقة غير مشروعة في العديد من البلدان الإفريقية، ومن أبرز تلك العوامل الزيادة المستمرة في معدلات التصنيع في البلدان الصناعية، والتي تصاحبها زيادة مماثلة في إنتاج النفايات الخطرة. فقد تضاعف الانتاج العالمي السنوي من النفايات بأكثر من مائة ضعف في النصف الثاني من القرن الماضي(8). ولما لهذه النفايات من آثار خطيرة وسامة علي الأرض والهواء والماء وكل الكائنات الحية، إذا لم تعالج أو يتم التخلص منها وفقا لمتطلبات الأمان البيئي ولندرة المواقع الآمنة بيئيا لدفن تلك النفايات في الدول الصناعية، تتجه الدول المولدة لتلك النفايات إلي تصديرها للخارج للتخلص النهائي منها، وعادة ما تتلقي الدول الإفريقية النصيب الأكبر منها.

كذلك ، تواجه الدول الصناعية قيودا دولية في مسألة التخلص من النفايات وذلك بعد فرض حظر دولي علي التخلص من النفايات الخطرة والمشعة في البيئة البحرية بموجب العديد من القرارات الدولية، والمعاهدات الدولية الشارعة، والتي من بينها: اتفاقية جنيف لعام 1958 بشأن أعالي البحار (المادتان 25 و 24)، واتفاقية لندن لعام 1972 بشأن منع التلوث البحري بإغراق النفايات والمواد الأخري، بالإضافة إلي العديد من الاتفاقيات الدولية الإقليمية.

وإضافة الي ماسبق، تعاني الدول الإفريقية إما من انعدام أو ضعف التشريعات البيئية. أما الدول التي لديها تشريعات أو لوائح بيئية، فلا تملك التمويل اللازم لتنفيذها علي نحو ملائم، بل إن الهيئات التنفيذية في العديد من الحالات تكون عرضة للفساد والإجبار، وتكون قلقة علي وظائفها أكثر من قلقها علي البيئة. كما أن العديد من أعضاء تلك الهيئات يفتقدون الوعي البيئي، والقليل من منهم يستطيع قراءة الملصقات والتحذيرات المكتوبة علي العبوات باللغات الأجنبية.

جهود حماية إفريقيا من النفايات الخطرة :

نظرا لأن استخدام أقاليم الدول الإفريقية، كمواقع للتخلص من النفايات الخطرة والمشعة الأجنبية، ينطوي علي تهديد خطير لصحة الشعوب والبيئة الإفريقية، خاصة أن غالبية شعوب البلدان الإفريقية ينعدم لديها الوعي البيئي بطبيعة الأخطار التي تتعرض لها صحة الإنسان والبيئة كأثر لاستيراد النفايات السامة والخطرة للتخلص منها بطريقة غير سليمة بيئيا، ولا تملك البنية الأساسية التكنولوجية والقانونية للتحكم في النتائج المترتبة علي ذلك- فقد أصدرت المنظمات الدولية العديد من القرارات التي تحظر وتجرم بمقتضاها عمليات تصدير النفايات الخطرة للدول النامية لغرض التخلص النهائي منها(9). كما تم - تحت رعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) -اعتماد اتفاقية بازل لعام 1989 بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، كأول اتفاقية جماعية وعالمية في هذا الشأن، والتي دخلت حيز التنفيذ في مارس 1992 وبلغ عدد الدول الأطراف فيها 169 دولة(10).

وتفيد التقارير أن أكثر من مائة وعشرين دولة قامت باستخدام حقها السيادي في إصدار تشريعات وطنية، تحظر بمقتضاها استيراد النفايات الخطرة لأي غرض -سواء أكان لغرض التخلص النهائي منها أم لغرض إعادة تدويرها- أو عبورها في المناطق الخاضعة لولايتها القضائية. جدير بالذكر أن دولة ساحل العاج تعتبر من أولي الدول الإفريقية التي استخدمت حقها السيادي في سن تشريعات وطنية تحظر بمقتضاها استيراد النفايات الخطرة والمشعة، حيث يحظر قانون ساحل العاج رقم 156/88 الصادر في 7 يوليو 1988 بشأن النفايات السامة والنووية، بموجب المادة الأولي منه، بيع أو شراء أو استيراد أو نقل أو تخزين النفايات السامة والنووية والمواد الضارة. ويعاقب كل من يخالف هذا الحظر بالسجن مدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد علي 20 سنة، والغرامة التي لا تقل عن 100 مليون فرنك ولا تزيد علي 500 مليون فرنك (المادة الثانية)(11). كما نصت المادة الرابعة (أ) من اتفاقية بازل علي التزام الدول الصناعية -الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي- بحظر تصدير النفايات الخطرة، سواء أكان لغرض التخلص النهائي منها أم لإعادة تدويرها إلي الدول النامية.

كما تم في إطار المادة '11' من اتفاقية بازل إبرام العديد من الاتفاقيات الإقليمية، التي تحظر تصدير النفايات المشعة والخطرة والنفايات الأخري إلي إفريقيا، والتي من أهمها : اتفاقية لومي الرابعة بشأن التجارة والتنمية بين الاتحاد الاقتصادي الأوروبي ومجموعة الدول الإفريقية ودول منطقة الكاريبي والمحيط الهادي، والتي تم توقيعها في مدينة لومي - توجو، بتاريخ 15 ديسمبر 1989، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر عام 1991.

ورغم أن اتفاقية لومي الرابعة لعام 1989 معنية بصفة أساسية بمسألة التجارة والتنمية بين أطرافها، إلا أنها، بمقتضي أحكام المادة 39 منها، تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بحظر تصدير النفايات الخطرة والنفايات المشعة إلي الدول الأطراف النامية، ويقصد بها دول منطقة الكاريبي والمحيط الهادي والدول الإفريقية(ACP).كما تلتزم دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي (ACP) بحظر استيراد النفايات إلي داخل أقاليمها من دول الجماعة الأوروبية ومن أي دولة أخري. كما تلتزم الدول الأطراف في الاتفاقية بسن أو إصدار التشريعات الوطنية واللوائح الإدارية اللازمة لتنفيذ التزاماتها في هذا الشأن. وبالفعل، تم تعديل تشريعات تسع وسبعين دولة من الدول الموقعة علي الاتفاقية، لكي تتواءم مع أحكام الاتفاقية الخاصة بحظر الاتجار غير المشروع في النفايات الخطرة والمشعة.

وفي الإطار نفسه، تم إبرام اتفاقية باماكو بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة إلي إفريقيا والتحكم في نقلها عبر الحدود وإدارتها داخل إفريقيا، في 29 من يناير عام 1991، ودخلت حيز التنفيذ في 20 مارس عام 6991. وتفرض اتفاقية باماكو لعام 1991 حظرا مطلقا علي عمليات استيراد النفايات المشعة والخطرة إلي داخل القارة الإفريقية، ويعتبر هذا الاستيراد عملا غير قانوني وفعلا إجراميا. ولحماية البيئة البحرية، تجرم وتحظر اتفاقية باماكو عمليات إغراق النفايات المشعة والخطرة، سواء في البحار أو المياه الداخلية.

كما تم اعتماد بروتوكول أزمير بشأن منع تلوث البحر المتوسط الناجم عن نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، في مدينة أزمير، بتركيا، في الأول من أكتوبر عام 6991، والذي يستهدف بصفة رئيسية حظر عمليات نقل النفايات الخطرة عبر الحدود من البلدان الصناعية المتقدمة إلي البلدان النامية، لضمان عدم إخضاع مواطني البلدان النامية إلي مخاطر وأضرار لا يسمح بأن تخضع لها مواطني البلدان المتقدمة. وأقرت أحكام بروتوكول أزمير -شأنها في ذلك شأن اتفاقيتي بازل وباماكو- بالحق السيادي للدول الأطراف في حظر استيراد النفايات الخطرة والنفايات الأخري إلي داخل المناطق الخاضعة لولايتها القضائية، وحظرت علي الدول الأطراف السماح بتصدير النفايات الخطرة إلي الدول التي استخدمت حقها السيادي في حظر دخول النفايات الخطرة إلي المناطق الخاضعة لولايتها القضائية.
ورغم كل هذه الجهود والتشريعات الدولية والوطنية ، إلا أن إفريقيا مستمرة في تلقي النفايات بمختلف أشكالها حتي الآن. فعلي سبيل المثال، قامت في أغسطس 2006 شركة هولندية بالتخلص من 550 طنا من النفايات الخطرة في ساحل العاج بتكلفة تقل عن 20 ألف دولار، في حين أن تكاليف التخلص منها في محرقة روتردام 600 ألف دولار، مما أدي إلي وفاة سبعة أشخاص وإصابة عدة آلاف بأعراض التسمم .

كما تقوم الشركات التابعة لبعض الدول الصناعية - لاسيما التي تطبق مبدأ المسئولية الممتدة للمنتج

'Extended Product Responsibility (EPR)'- بتصدير نفاياتها الالكترونية والكهربائية بالمخالفة لكل القواعد القانونية الدولية والوطنية إلي جل الدول الإفريقية، ومنها جمهورية مصر العربية(12)، علما بأن النفايات الإلكترونية والكهربائية تصنف بأنها نفايات خطرة بموجب اتفاقية بازل لعام 1989 واتفاقية باماكو لعام 1991 . كما تصنف في مصر باعتبارها نفايات خطرة بموجب قرار وزير الصناعة والتنمية التكنولوجية رقم 165 لسنة 2002 (13).

ونخلص مما تقدم إلي أن تصدير النفايات الخطرة إلي الدول الإفريقية، أو إلي الدول التي حظرت استيراد تلك النفايات إلي أراضيها أو العبور عبرها، سواء أكان ذلك بموجب تشريعاتها الوطنية أم بمقتضي اتفاقيات دولية انضمت إليها، يعتبر اتجارا غير مشروع، وفعلا مجرما (14) يعرض مرتكبه للمسئولية الجنائية والمدنية. وعلي الرغم من تجريم وحظر عمليات نقل النفايات الخطرة عبر الحدود من الدول المتقدمة إلي الدول النامية، ومنها الدول الإفريقية، إلا أنه مازال يتم استخدام أراضي القارة الإفريقية ومياهها كمواقع للتخلص من النفايات الخطرة بالمخالفة لقواعد القانون الدولي.

.................................
* استشاري التشريعات بالمركز الإقليمي لاتفاقية بازل، جامعة القاهرة

1- أكدت هذا المعني العديد من الوثائق الدولية، من أهمها: حكم التحكيم الصادر في قضية 'مسبك تريل'، وحكم محكمة العدل الدولية في قضية 'قناة كورفو'، والمبدأ رقم (21) من إعلان استكهولم بشأن البيئة البشرية لعام 1972 . لمزيد من التفاصيل، راجع: د. خالد السيد المتولي محمد ،'نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها في ضوء أحكام القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولي، 2005، ص119 وما بعدها.
2- تواترت الممارسات الدولية علي تجريم الاتجار غير المشروع بالنفايات الخطرة. ويعتبر 'اتجارا غير مشروع' -عملا بالمادة (9/1) من اتفاقية بازل- أي انتقال عبر الحدود لنفايات خطرة أو غيرها من النفايات، دون توجيه إخطار لكل الدول المعنية، أو دون موافقة الدول المعنية، أو بموافقة من الدول المعنية يتم الحصول عليها عن طريق التزوير أو التحريف أو الغش، أو لا يتطابق بطريقة مادية مع الوثائق، أو ينجم عنه التخلص المتعمد من النفايات الخطرة أو غيرها من النفايات الأخري، مما يتعارض مع هذه الاتفاقية ومع المبادئ العامة للقانون الدولي.
- ويعتبر استيراد النفايات الخطرة إلي داخل إفريقيا، لأي سبب، عملا غير مشروع وفعلل مجرما، بمقتضي المادة 4/1 من اتفاقية باماكو لعام 1991. كما يعتبر كذلك قيام الأطراف النامية باستيراد النفايات الخطرة والنفايات المشعة، عملا غير مشروع وفعلا مجرما، عملا بالمادة 4/1 من اتفاقية وايجاني لعام 5991.
وكان القرار الصادر عن مجلس وزراء منظمة الوحدة الإفريقية، بتاريخ 23 مايو 1988 برقم 1153 بشأن إلقاء النفايات النووية والصناعية في إفريقيا، قد اعتبر أن دفن النفايات الصناعية والنووية في إفريقيا يعتبر جريمة ضد إفريقيا والشعوب الإفريقية. انظر:
- Organization of African Unity: Council of Ministers Resolution on Dumping of Unclear and Industrial Waste in Africa، ] May 23، 1988[، I.L.M. Vol.XXVIII،No2.، March 1989، p.567.
3- نظرا للنقص العام في هيئات الرعاية الصحية في الدول النامية، ومنها بالطبع جل البلدان الإفريقية، نجد أن نحو 70% إلي 80% من إجمالي إنتاج الأدوية في الدول النامية، تقوم به شركات متعددة القوميات، وعادة ما تعطي تلك الشركات بيانات مشكوكا فيها عن خواص منتجاتها، دون أية معلومات عن الآثار الجانبية الصحيحة. انظر :
- Subramanya T.R.: 'Legal Control of Transboundary Movement of Hazardous Substances: North South Issues and a Model for Reform.' The Indian Journal of International Law، Vol33.، .1993، p46.
4- انظر : د. السيد أحمد عبد الخالق، السياسات البيئية والتجارة الدولية .. دراسة تحليلية للتأثير المتبادل بين السياسات البيئية والتجارة الدولية، بدون ناشر، 1994، ص37 .
5 - انظر : د. مصطفي كمال طلبة، إنقاذ كوكبنا.. التحديات والآمال، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان،1992، ص138 .
6 - د. عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، دور المنظمات الدولية في حماية البيئة، سلسلة دراسات قانون البيئة (2)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص38 .
7 - لمزيد من التفاصيل عن وقائع قيام الدول المتقدمة بالتخلص من نفاياتها المشعة والخطرة في أقاليم الدول الإفريقية، راجع د. خالد السيد المتولي، نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها في ضوء أحكام القانون الدولي، مرجع سابق، ص164 . وراجع أيضا: مجدي نصيف، كارثة العصر.. الإنسان يدمر كوكبه، دار سعاد الصباح، الكويت، الطبعة الأولي، 1992، ص135 .
8 - د. مصطفي كمال طلبة، إنقاذ كوكبنا .. التحديات والآمال، مركز دراسات الوحدة العربية، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بيروت، لبنان، 1992، ص137 .
9 - راجع القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي من بينها: القرار 42/381 لسنة 1987، والقرار 34/212 لسنة 1988 بشأن مسئولية الدول عن حماية البيئة، ومنع الاتجار الدولي غير المشروع بالمنتجات والنفايات السمية والخطرة، وتقرير لجنة القانون الدولي، الوثيقة (A/45/778)، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، 1995، الفقرة 35، ص51، وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 8891/07 ، وتقرير لجنة حقوق الإنسان، عن دورتها الستين، جنيف، 15 مارس - 23 أبريل 2004، الوثيقة:(E/2004/23 - E/CN.4/2004/127) ص68 .
10 - تجدر الإشارة إلي أن الخبير المصري الدكتور مصطفي كمال طلبة -بصفته المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة- تولي الإشراف علي مجموعة عمل قامت بإعداد مسودة اتفاقية عالمية للتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود. وفي الاجتماع الخامس لمجموعة العمل الذي عقد في مدينة بازل، بسويسرا في الفترة من 13 - 17 مارس عام 1989، تم اعتماد المسودة النهائية للاتفاقية التي عرفت باسم اتفاقية بازل.
11 - د. خالد السيد المتولي محمد، مرجع سابق، ص814.
12 - لمزيد من التفاصيل عن حالات ووقائع قيام الدول الصناعية بتصدير نفاياتها الالكترونية إلي الدول الإفريقية، راجع:
- Jim Puckett and Others.: The Digital Dump، Exporting Re-use and Abuse to Africa، The Basel Action Network، media release version، 24 October، 2005.
13- الجريدة الرسمية، العدد 233، الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2002 .
14 - راجع نص المادة (4/3) من اتفاقية بازل.

طباعة المقالــة

إرسال لصديق