مدونة أ.د/عصام محمد محفوظ


العلاقة المكانية والزمانية فى الفن المصرى القديم و الجمع بين الأزمنة والأمكنة المختلفة فى حيز واحد

أ.د/عصام محمد محفوظ | Prof.Dr.Essam Mohamed Mahfouz


28/11/2021 القراءات: 3821   الملف المرفق



لم يتقيد الفن المصرى القديم بالعلاقة المكانية أو الزمنية بين أجزاء المنظر الواحد، فقد كان يعمد إلى تنظيمه وتمثيلها بحيث يستقل كل منها عن غيره بقدر الإمكان، لكيلا يخفى شكل شكلاً آخر، فكان يصيغ مفردات المنظر الواحد فى صفوف أفقية أو رأسية، ويمثل المناظر المختلفة كل منها فى صف دون أن يجمعها رابط من زمان أو مكان فقام بتصوير مجموعات من الأشكال بزوايا ونسب وأبعاد مختلفة عن بعضها البعض، لكل مجموعة متجانسة منها مجالا خاصا بها، أو مكان وزمان يختلف عن الآخرين، كما أنه أحياناً يمكن أن يكون ذا موضوع مغاير حقول ايارو- مقبرة سن نجم -دير المدينة- طيبه والذى يمثل حقول أيارو أو حقول النعيم من مقبرة "سن نجم"، والمنظر كله يمثل السماء والحياة، وفى هذا المكان يعيش الميت مع الآلهة ويقوم ببعض الأعمال الزراعية التى كان يؤديها فى حياته . يمثل حقول أيارو أو حقول النعيم من مقبرة "سن نجم"، والمنظر كله يمثل السماء والحياة، وفى هذا المكان يعيش الميت مع الآلهة ويقوم ببعض الأعمال الزراعية التى كان يؤديها فى حياته وتنقسم اللوحة إلى أربعة مناظر أفقية: - المنظر العلوى: نرى فيه "سن نجم" وزوجته من خلفه يضرعان لبعض الآلهة، وقد جلسوا جميعاً على حصير فى شكل علامة العدالة, - خلف الآلهة جلس "رع حوتب" أحد أبناء المتوفى فوق زورق يسبح فى محيط السماء. - أما المنظر الثانى: يظهر "سن نجم" وزوجته وهما يقومان بجمع حقول القمح. - وفى المنظر الثالث: يقتلع "سن نجم" وزوجته نبات الكتاب ثم يظهر وهو يحرث الأرض ومن ورائه زوجته تنثر البذور فى الأرض. - أما فى المنظر الرابع: نرى أشجار الدوم والنخيل على حافة قناة، كما نجد أنواع أخرى من النباتات يتخللها الفراش محلقا. وهذه اللوحة تعد خير مثال لتوضيح العلاقة الزمانية والمكانية فى الفن المصرى القديم، حيث استطاع الفنان أن يظهر لنا المراحل المختلفة فى حياة المتوفى، ويسرد لنا كل مرحلة من هذه المراحل فى مستوى منفصل ليؤكد عليها. لتظهر هنا ظاهرة الجمع بين أكثر من زمان ومكان مختلف فى حيز واحد والتى كانت من سمات التصوير المصرى القديم، والتى أنتجتها خصائص أخرى لهذا الفن، ففن التصوير المصرى القديم "لا يعنى بالمكان أو المسافة وذلك لأن التأثيرات المكانية أو التأثيرات الناتجة عن تقدير المسافات بين أجزاء الصورة، لا تضيف شيئا إلى ما يريد الفنان أن يعبر عنه ذلك لأن الفنان المصرى القديم اعتمد على الصورة المطبوعة فى مخيلته دون الصور المرئية، ولئن كانت الصورة فى المخيلة تعتمد فى بنائها على الصور المرئية إلا أنها تتضمن ما لاتستطيع العين أن تستقبله مرة واحد، فهى لا تعمل حساب للبعد أو للقرب، وما ينجم عنه من اختلاف فى الحجوم والسطوح. ولهذا فقد تميز أسلوب التصوير المصرى بالتسطيح، سوءا فى عدم تجسيم الأشكال المفردة، أو فى معالجة فراغ الصورة ككل بالبعد عن تمثيل العمق الواقعى كما تراه العين، وقد ساعد ذلك الفنان على عدم التقيد بنقطة رؤية مفردة أو ثابتة للتصوير ككل". وحتى يقوم الفنان بالتعبير عن الأشكال والكتل برسمها أو تصويرها ببعدين اثنين فقط وليس بثلاثة أبعاد، "ففد التزم الفنان بأن يعبر عن الأشكال طبقاً لحقيقتها أو لمنظرها الحقيقى المعروف ذهنيا، وليس طبقاً لما تبدو عليه لحظة رؤيتها، وهى بطبيعة الحال لحظة عابرة سريعة الزوال" تتوافق مع مبادئه ومعتقداته فى اللانهائى والمطلق فقد أراد الفنان أن يرسم أقصى ما يستطيع فى سطح مجدد، ولذلك كان يتخير ما يعتقد أنه لازم ومفيد، ويتنازل عن كل ما لاضرورة له ولكى يحقق الفنان ذلك كان يعبر عن أجزاء الموضوع جزءاً جزءا "طبقا لما هى كائنة عليه أبدا وليس طبقاً لما تبدو عليه هذه الأجزاء منظوريا وسط الأجزاء الأخرى الضرورية لتحديد المنظر، وهذه التركيبة من الأجزاء أو الجزئيات هى فى حقيقة أمرها عبارة عن وصف دقيق كامل لهذه الجزئيات والأجزاء التى يتكون منها المنظر المراد التعبير عنه وكان مسألة اختزال الأبعاد الثلاثة للأشياء الطبيعية وتصويرها فى أشكال ذات بعدين، عملية فى غاية الصعوبة، ومع ذلك فقد واجهها الفنان المصرى القديم، وقدم لها حلولا عديدة حيث تتكرر الموضوعات بأبعاد زمنية مختلفة، وذلك "من خلال إيجاد أكثر من خط أرضى ترتكز عليها الأشكال رغبة فى تأكيد البعد المكانى أو المسافات التى تبرز العمل، كى تعكس طريقة التقسيمات الهندسية طابعا نسبياً للثبات والتكرار مما يدل على أن الوعى الرياضى عنصرا أساسياً من عناصر الوعى الفنى الذى فرضته طبيعة البيئة الزراعية


العلاقة المكانية والزمانية فى الفن المصرى القديم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


لقد تميز أسلوب التصوير المصرى بالتسطيح، سوءا فى عدم تجسيم الأشكال المفردة، أو فى معالجة فراغ الصورة ككل بالبعد عن تمثيل العمق الواقعى كما تراه العين، وقد ساعد ذلك الفنان على عدم التقيد بنقطة رؤية مفردة أو ثابتة للتصوير ككل