إذا كان الحاضن للأطفال فاقداً لشرط القدرة على رعاية المحضون سقط عنه حق الحضانة
سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI
22/06/2023 القراءات: 1127 الملف المرفق
عُرضت عليّ دعوى شرعية في إحدى المحاكم بسلطنة عمان، فحواها أنّ زوجين افترقا، وكان بينهما ولدان؛ ابن عمره خمس سنوات ونصف، وبنت عمرها سنتان وربع، فكانت الحضانة مع الأم بناءعلى صلح بينهما، وكانا يسكنان إحدى ولايات شمال الشرقية، إلا أنّ الأم كانت تظلُّ خمسة أيام في الأسبوع في مسقط بسبب عملها في شركة من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة ظهراً، وكذلك تدرس في كلية من الساعة الرابعة عصراً إلى السابعة والنصف ليلاً، وتترك ولديها مع جدّتهما في تلك الولاية، فرفع الدعوى الأب مطالباً بحضانة الولدين، فحكمت المحكمة له بذلك وبسقوط الحضانة عن الأمّ.
والأسباب في ملخّص الحكم، "فإنه من المقرّر قانونا طبقاً للمادة (25) من قانون الأحوال الشخصية أنّ "الحضانة هي حفظ الولد وتربيته ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس"، وطبقاً للمادة (126) أنّه: "يشترط في الحاضن العقل والبلوغ والأمانة والقدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة"، وطبقاً للمادة (130) أنّ: "الحضانة من واجبات الأبوين معاً ما دامت الزوجية قائمة بينهما، فإن افترقا فهي للأم، ثم للأب، ثم لأقرباء المحضون وفق الترتيب التالي: خالته، ثم جدته لأبيه وإن علت، ثم أخته، ثم خالة أمه ثم عمة أمه ثم عمته، ...، ما لم يقدر القاضي خلافه لمصلحة المحضون".ومن المقرّر شرعاً أنّ الحضانة إنّما شرعت لمصلحة المحضون من أجل رعايته وصيانته وتأديبه حتى ينشأ نشأة سويّة على أخلاق فاضلة وديانة حقّة وعلم نافع، لذا كانت العبرة بمصلحة الطفل، فمن كان أحسن تربية له ورعاية لمصالحه وتوجيهاً له في أمور دينه ودنياه كان أولى بأن يكون تحت كفالته".
وكان السبب في سقوط حضانة الأم بعدُها لمدة خمسة أيام عن الولدين، ولم تبدِ المدعى عليها الاستعداد لتغيير هذا الوضع من حيث العمل والدراسة، ومع هذا الوضع تفتقد المدعى عليها شرط القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته، فأنّى لها القيام بذلك وهي منقطعة عن المحضونين لخمسة أيام من الأسبوع، ولا ينال من ذلك أنّ أمها (جدّة المحضونين) تتولى ذلك خلال تلك الأيام؛ إذ إنّ ذلك الشرط إنما هو في الحاضن، والمدعى عليها هي الحاضنة لهم، فإن لم يتوافر الشرط فيها سقط حقها في الحضانة، ولا يمنع أن يعينها على ذلك غيرها في بعض الأوقات من اليوم الواحد كأمها ونحوها، ولكن أن تنقطع عنهم كلّ هذه المدة فهذا يتنافى مع أصل الحضانة، ويجعل الجدّة كأنما هي الحاضنة الرئيسة وليس الأم، على أنّ الرعاية والتربية ليس المقصود منها النواحي الماديّة كالتغذية والنظافة ونحوها فحسب، وإنما لها نواحٍ أخرى لا تقلّ أهمية عن ذلك كالناحية النفسية، فكيف سينشأ ولدان في مثل عمرهما وهما بعيدان عن أبيهما وأمهما طيلة خمسة أيام، والناحية النفسية لها أثرها البالغ على شخصية الطفل في كافة جوانب الشخصية الأخرى، وكذلك الناحية التعليمية، فهي بحاجة إلى متابعة ورعاية، إلا أنّ هذا لم يكن كذلك من قبل المدعى عليها، كما يثبت ذلك شهادة مديرة الروضة التي يدرس فيها ... المتضمنة أنّه لم تكن هناك أية متابعة للروضة من قبل أمه ولا من قبل أحد من أقاربها، وأنّه كان يعاني من سلوك عدواني، مع العلم بأّنه لمراعاة كل هذه الجوانب أوجب القانون طبقاً للمادة (133) أن لا يبيت المحضون إلا عند حاضنته ما لم يقدّر القاضي خلاف ذلك، وليس هناك من الأسباب ما يقتضي خلافه، فهذا السبب كافٍ في إسقاط الحضانة عن الأم.
ولا ينال من الحكم بذلك، أنّ الولدين يظلان عند جدتهما خمسة أيام، وهي ترعاهما؛ إذ إنّ الجدّة - إضافة إلى ما سبق ذكره - تكون بذلك هي الحاضنة، فالمدعي أولى عنها في الحضانة طبقاً للمادة (130) المذكورة.
فلما كان ذلك وكان المدعي يسكن في محافظة مسقط، وعنده من يصلح للحضانة من النساء كأخواته .... (من مواليد....) و... (من مواليد ....م) و... (من مواليد....م)، وقد تعهدن بالقيام بحضانة الولدين وتربيتهما ورعاية شؤونهما والمحافظة عليهما - حسب الإقرار الصادر من دائرة الكاتب بالعدل بـ.... بالمتسلسل اليومي رقم ...م -،فإنّ المصلحة تبدو ظاهرة جليّة في أن يكون الولدان في حضانة أبيهما المدعي، لا سيّما وأنّ أمهما كذلك في مسقط فيمكنها زيارتهما أيام الأسبوع، فيشعر الولدان بأنّهما قريبان من أمهما وأبيهما، فينشآن نشأة نفسية سويّة، وعليه تقضي المحكمة بإثبات أحقيّة الأب المدعي بحضانة ولديه.
فكان منطوق الحكم: "حكمت المحكمة بإثبات أحقيّة المدعي بحضانة ولديه ... و...، وإلزام المدعى عليها بذلك وبالمصاريف".
والعبرة التي تؤخَذُ من هذه الدعوى أنّ الحضانة أمرها عظيم، يتطلّب تضحية من الحاضنِ، فإن لم تكنْ من قبله التضحيةُ التي تضمن نشأة سويّة للمحصون كان غيره أولى بها.
وفي الملف المرفق تفاصل الحكم القضائي.
حكم قضائي، حضانة، سقوط الحضانة، القدرة على رعاية المحضون
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع