مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


05/03/2023 القراءات: 320  


وقسم النبي صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب‏:‏
كتيبة المهاجرين، وأعطي لواءها مصعب بن عمير ،فلما قتل حمل اللواء على بن أبي طالب رضي الله عنهما ،و كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطي لواءها أسيد بن حضير‏ رضي الله عنه، و كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطي لواءها الحُبَاب بن المنذر‏ رضي الله عنه

وكان الجيش متألفاً من ألف مقاتل فيهم مائة دارع، و معهم فرسان فقط ، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم درعين ، رغم علمه بأن الله تعالى يعصمه من القتل تعويدا لأمته على الأخذ بالأسباب المادية ثم التوكل على الله ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة،وآذن بالرحيل، فتحرك الجيش نحو الشمال

ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الغلمان لصغرهم منهم أسامة بن زيد وعبد الله ابن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت .... وغيرهم

وبهذه الروح الوثابة الحريصة على الجهاد وقتال أعداء الله خرج الجيش الإسلامي . فلما كانوا بالشوط (بين المدينة وأحد) انسحب المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بثلثمائة من المنافقين، مدعيا أنه لن يقع قتال مع المشركين!! معترضا على قرار الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج بقوله (أطاعهم وعصاني)

وفيه ومن انسحب معه نزلت الآية:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ}سورة آل عمران167

وبين القرآن الكريم أن انسحاب عبد الله بن أبي بالمنافقين إنما هو تنقية لصف المؤمنين وتمييز لهم فلا يبقى فيهم من يرجف ويخذل. قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} آل عمران 179

وقد حاول عبد الله بن عمرو بن حرام إقناع المنافقين بالعودة ، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع ، ويقول : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، فأبوا وقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع ، فقال: "أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه"

وقد ظهر رأيان في أوساط الصحابة، الأول: يرى قتل المنافقين الذين خذلوا المسلمين بعودتهم وانشقاقهم عن الجيش. والثاني: لا يرى قتلهم، وقد بين القرآن الكريم موقف الفريقين في الآية {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} النساء88

وقد أثر موقف المنافقين في نفوس طائفتين من المسلمين ففكروا بالعودة إلى المدينة، ولكنهم غالبوا الضعف الذي ألم بهم, وانتصروا على أنفسهم بعد أن تولاهم الله تعالى فدفع عنهم الوهن، فثبتوا مع المؤمنين وهما بنو سلمة (من الخزرج) وبنو حارثة (من الأوس) . وقد صور القرآن الكريم موقف الطائفتين فقال تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ...} آل عمران 122

وبعد هذا التمرد والانسحاب قام النبي صلى الله عليه وسلم ببقية الجيش وهم سبعمائة مقاتل ليواصل سيره نحو العدو، وكان معسكر المشركين يحول بينه وبين أحد في مناطق كثيرة، فقال‏:‏ ‌‏"‏من رجل يخرج بنا على القوم من كَثَبٍ ـ أي من قريب ـ من طريق لا يمر بنا عليهم ‏؟‌‏"
فقال أبو خَيثَمةَ‏ رضي الله عنه :‏ أنا يارسول الله، ثم اختار طريقاً قصيراً إلى أحد يمر بحَرَّةِ بني حارثة وبمزارعهم، تاركاً جيش المشركين إلى الغرب‏.‏

ومر الجيش في هذا الطريق بحائط مِرْبَع بن قَيظِي ـ وكان منافقاً ضرير البصر ـ فلما أحس بالجيش قام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول‏:‏ لا أحل لك أن تدخل حائطي إن كنت رسول الله‏.‏ فابتدره القوم ليقتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‌‏"لا تقتلوه، فهذا الأعْمَى أعمى القلب أعمى البصر‏".‏

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل سفح جبل أحد ، فعسكر بجيشه مستقبلاً المدينة، وجاعلا ظهره إلى هضاب جبل أحد، أما المشركون فقد نزلوا ببطن الوادي قرب سفح الجبل ،وعلى هذا صار جيش العدو فاصلاً بين المسلمين وبين المدينة‏.‏ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل سفح جبل أحد ، وجعل ظهره وعسكره إلى جبل أحد ووجههم إلى المدينة ،أما المشركون فقد نزلوا ببطن الوادي قرب سفح الجبل وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل

وأصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا عامًا يمنع فيه المسلمين من محاولة الاشتباك مع المشركين قبل صدور أمره إليهم بذلك، ولقد عبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه، وهيأهم صفوفاً للقتال، واختار منهم فصيلة من الرماة الماهرين، قوامها خمسون مقاتلاً، وأعطي قيادتها لعبد الله بن جبير الأنصاري رضي الله عنه ، وأمرهم بالتمركز فوق جبل عينين ـ والذي عرف فيما بعد بجبل الرماة ـ المقابل لأحد لحماية المسلمين من التفاف خيالة المشركين عليهم

وقال لقائدهم‏:‏ ‌‏(‏انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك‏)‏ ،وشدد عليهم بلزوم أماكنهم ،وقال للرماة‏:‏ ‌‏(‏احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا‏)‏ وفي رواية البخاري أنه قال‏:
‌‏(‏إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم‏)‌‏.‏

وبتعين هذه الفرقة ووضعها على الجبل مع هذه الأوامر العسكرية الشديدة سد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثغرة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين، ويقوموا بحركات الالتفاف وعملية التطويق‏ ، وبذلك سيطر المسلمون على المرتفعات تاركين الوادي لجيش قريش الذي تقدم وهو يواجه أحد وظهره إلى المدينة


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع