مدونة محمد كريم الساعدي


الواقع المعاش حل أنطولوجي / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


13/11/2022 القراءات: 370  


إنَّ الانطلاقة المعرفية في هذا المضمون تأتي من أهمية المصطلحات التي شكلت عملية من البحث المستمر بين طرفي المعادلة في الفكر الانساني، إذ أثر تطور الحركة المعرفية في العلوم والفنون والآداب، وقبلها في الفكر الفلسفي، الذي أثار هذه الجدلية المعرفية والصراع الدراماتيكي بين (الوجود والماهية)،أو (المادة والفكرة)، أو بين المرجعين الرئيسيين في هذا الموضوع وهما الحركة (الافلاطونية الاشراقية) والحركة (الارسطوطالية المشائية) في الفلسفة . إذ نتج عن هذا الحراك الفكري جدلية مستمرة حاول بعض الفلاسفة والمفكرين أن يجد لها :
1. مساحة التقاء في نقطة وسط بين مفهومين لحل هذه المعضلة.
2. أو العمل على كليهما لأن كل اتجاه يتميز بقيمة معنوية ومعرفية في تكوين الفكر الإنساني من دون أن يكون له السبق على الآخر في هذا المجال.
3. أو أن الأصالة تقاسم بين الطرفيين في ايجاد الحلول المعرفية التي كاد بعضهم أن يجعلها حكراً وإلزاماً على نفسه، وعلى من يجادل في هذا المجال.
لذا عملت بعض التيارات المعرفية في عصور مختلفة على رأب هذا الصدع، ومن دون التحزب إلى جهة ما من المعادلة، فقد عملت فلسفة (الحكمة المتعالية) في الشرق الإسلامي وقبلها محاولات للفيلسوف الإسلامي (الفارابي) الذي حــاول الجمع بين آراء الطرفين، وفي العصر الحديث أنبرى لهذه المهمة الصعبة والعسيرة علـى الجمـع بيـن التيــارين الفيلسوف الالمــاني (أدموند هوسرل) في فلسفته (الفينومينولوجيا)، مستنداً بذلك إلى أفكار اسلافه (ديكارت ، وكانط ) للوصول إلى حلقة جديدة في الفكر الجامع بين الاتجاهين، المتباعدين تارة والمتقاربين تارة أخرى، حسب آليات الفهم لعمل كل منهما ، وحتى في هذا المجال بقيت الاولوية في الانطلاق وتأسيس الفكر الفلسفي في هذا الاتجاه التقريبي أو ذاك ، لأحدهما على الآخر، أي أن يكون التأثير أولًا للفكرة وآلياتها، أو للوجود ومرجعياته الواقعية وآثاره ، فمثلاً أن يكون التأكيد على الوعي في إيجاد المعاني والماهيات وذلك من خلال الاعتماد الكلي عما يتحقق من صور ذهنية في داخله، والذي عدّ الجانب المتعالي في الفهم المعرفي على الرغم من اعتماد الوعي بصورة مباشرة ومتقصدة للأشياء، أو يكون للوجود والموجود الواقعي الأثر المهم في تأكيد الأسبقية والأصالة في الرفد المعرفي، ومن دونه لا يكون للماهيات والصور الذهنية أي وجود في تأسيس الفكر والمعرفة الإنسانية، بوصف المسألة أنطولوجية، حتى أن اشترك الوعي في تأكيدها. وعلى الرغم من عمل عدد من الاطراف لإيجاد صيغ مشتركة، أو جانب من التودد للآخر في أن يجعل له نصيب في تأكيد الاصالة ومرحلة من مراحلها، فقد بقيت العملية خارج التأصيل المشترك للطرفين معاً في آن واحد .
إنَّ هذه الجدلية المستمرة يراها بعضهم بأنها عبارة عن افتراضات لا تتحقق في عالم متسارع الخطوات نحو تأسيس افتراض كلي للأشياء وذواتها، وما ينتج عنها من ماهويات قد ينتهي تأثيرها بزوال من يوجدها في ظل التسارع الذي يشهده العصر الحالي، الذي أصبح من أولوياته الاعتماد على جعل العالم شديد الاتصال بعضه ببعض، وأصبحت المعلومات المتناقلة ترفض كل الحواجز والعوارض التي تبعد المتلقي عن دائرة التطور ، فهذا العصر عصر الجنون في كل شيء، ابتداءً من العلوم التي أصبحت في أغلب الاحيان تبحث في اللامألوف لدى الانسان البسيط، وإنتاج مفاهيم جديدة تأخذنا يميناً وشمالاً؛ بل أصبحت هذه العلوم ومن يقف خلفها تبحث في إيجادنا وإعادة انتاجنا مرات عدة؛ بل إلى ما لانهاية وخصوصاً في استنساخ اشكالنا، وعقولنا، ومفاهيمنا، التي أعتقدها بعضهم بأنها ثابتة ولا تتغير؛ لكنها تغيرت لكون هذه المعتقدات لا تستطيع المنافسة بشكل جدي مع الاطروحات الفكرية والثقافية الجديدة المستمرة، والتي تستمد اسسها من الافتراضات الجديدة التي حولت حياة الانسان من كائن له وجوده الفاعل في الاوساط كافة، إلى كائن معزول ومنفرد، وإن الأدوات الجديدة والآلات حلت مكانه في العديد من المواقع التي كان يشغلها، واختفت العديد من القيم الاخلاقية، وأخلاقيات العمل التي كانت مرتبطة بوجوده .
إنَّ هذا العالم الجديد الذي أبعد الانسان بوصفه قيمة اخلاقية وإنسانية، وأبدله بآلات يتحكم به بعضهم بحسب النوايا؛ أخرج الانسان من أبعاده المهمة في هذا الوسط الحسي والعقلي، وأصبح الاستنساخ حتى في إعادة إنتاج السلع التي تقوم بمجمل العمليات المعرفية للكائن البشري في تطور مذهل ، مما يجعل العقل البشري يعيش في حالة تراجع فكري، والحواس في حالة تراجع أداتي وعملياتي في عملها ، بالنتيجة فأن الجانب الوجداني له نصيب أيضاً في هذا التراجع في الوضعيات الانسانية.


الواقع ، المعاش ، الأنطولوجيا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع