مدونة عبدالحكيم الأنيس


الولع والاهتمامُ بمؤلَّفاتِ عالمٍ مُعيَّنٍ (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


26/07/2022 القراءات: 598  


(نُشر سابقًا في موقع "الألوكة" قسمٌ من هذا المقال، وهذا قسمٌ آخر لم يُنشر)
***
نجدُ في تاريخنا وتراثنا ولعَ عالمٍ أو ناسخٍ بمؤلفات أحد العلماء، وتتبعه لها واختصاصه بها، وهذه طاقة أخرى من الأخبار في ذلك –وهناك غيرها-:

- الشيخ الزاهد العابد العالم فخر الدين أبو الفداء إسماعيل بن عز القضاة علي بن محمد بن عبدالواحد بن أبي اليمن الدمشقي (ت: 689).
قال الذهبي: "كان كاتبًا، أديبًا، شاعرًا، خدمَ في الجهات، وتزَّهد بعد ذلك. وُلد سنة ثلاثين وستمئة، ودخل في جملة الشعراء على الملك الناصر بدمشق، فلما انجفل الناسُ ندبه هولاكو إلى مصر. دخلها وترك الخدمة وتزَّهد، وأقبلَ على شأنه، ولزمَ العبادة، فاجتمع بالشيخ محيي الدين ابن سراقة فقال له: إنْ أردتَ هذا المعنى فعليكَ بتصانيف مُحيي الدين ابن العربي. فلما رجعَ إلى دمشق انقطعَ ولزم العبادة، وأقبلَ على كتب ابن العربي فنسخَها وتلذَّذ بها، وكان يلازمُ زيارةَ قبره ويبالغ في تعظيمه. والظنُّ به أنه لم يقفْ على حقيقة مذهبه، بل كان ينتفعُ بظاهر كلامه، ويقفُ عن متشابهه، لأنه لم يُحفظ عنه ما يَشينه في دينه من قول ولا فعل، بل كان عبدًا قانتًا لله، صاحبَ أوراد وتهجُّد، وخوف، واتباع الأثر، وصدق في الطلب، وتعظيم لحُرمات الله تعالى، لم يدخلْ في تخبيطات ابن العربي، ولا دعا إليها، وكان عليه نورُ الإسلام وضوءُ السُّنة. رضي الله عنه".
***
- العالم الصالح الشيخ شمس الدين أبو الفيض محمد بن عبدالرحمن الغزي ثم القاهري الشافعي الصوفي القادري (ت: 853).
ذكر السخاوي أنه كان له "تأليفٌ ومحبةٌ في تصانيف الولي الملوي واهتمامٌ بتحصيلها".
***
- العالم العامل والكامل الفاضل المولى مصلح الدين مصطفى القسطلاني (ت: 901).
قال طاشكبري في ترجمته: " قرأ على علماء الروم، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل خضر بك، وكان المولى خواجه زاده والمولى الخيالي وقتئذ مُعيدين لدرسه، ثم صار مدرسًا بقصبة مدرني، ثم انتقل إلى مدرسة ديمه توقه، ثم لما بنى السلطان محمد خان المدارس الثمان أعطاه واحدةً منها.
كان لا يفترُ من الاشتغال والدرس، وكان يَدَّعي أنه لو أُعطي المدارس الثمان كلها لقدر أن يدرِّس كل يوم في كل منها ثلاثة دروس، ثم استُقضي بكل من البلاد الثلاث ثلاث مرات، وهي مدينة بروسه ومدينة أدرنه ومدينة قسطنطينية، ثم جعله السلطانُ محمد خان في أواخر سلطنته قاضيًا بالعسكر المنصور...
وحَكى لي ثقةٌ عن المولى لطفي التوقاتي أنه قال: كنتُ من طلبة المولى سنان باشا -وكان هو وزيرًا وقتئذ- وكان مِنْ عادته إحضارُ العلماء ليالي العطلة وإحضار الأطعمة اللطيفة، فاجتمعوا عنده ليلةً فيهم المولى القسطلاني والمولى خواجه زاده والمولى خطيب زاده، وكانوا مشتغلين بالصحبة والمحادثة، وكان عندي رفيقٌ لي كنتُ أتحدثُ معه سرًّا، وقلتُ له في أثناء الكلام: مرضتُ أنا في زمانٍ فتعرقتُ بالدم حتى انصبغَ منه قميصي، فضحك رفيقي فتنبَّه العلماءُ وقالوا له: لم ضحكتَ؟ قال: إنَّ المولى لطفي يقول كذا وكذا فضحكتُ منه، وضحكت العلماءُ أيضًا مِنْ قولي، قال القسطلاني: مِنْ أي شيء تضحكون؟ هذا مرضٌ فلانيٌّ يذكرُه ابنُ سينا في الفصل الفلاني من كتاب "القانون"، قال خواجه زاده للقسطلاني: طالعتَ "القانون" بتمامه؟ قال: نعم، بل وجميع مصنَّفات ابنِ سينا حتى طالعتُ كتاب "الشفاء" بتمامه، ثم قال القسطلاني لخواجه زاده: أنتَ طالعتَ كتابَ "الشفاء" بتمامه؟ قال: لا وإنما طالعتُ مواضعَ احتجتُ إليها، قال القسطلاني: إني طالعتُه بتمامه سبعَ مرات، والسابعة مثل مطالعة التلميذ أولَ درسه عند مدرسٍ جديدٍ، فتعجَّبَ الحاضرون مِنْ إحاطتهِ بالعلوم وشمولِ مطالعتهِ جميع الكتب... توفي سنة إحدى وتسعمئة، ودُفن بجوار أبي أيوب الأنصاري".
***
- الشيخ عبدالحكيم بن سليم عبدالباسط السقباني الدمشقي (ت: 1415).
كان له ولعٌ بالكتب المنسوبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ الرواس، وأبي الهدى الصيادي، وتتَبَّعها وجمعَ وطبعَ منها الكثيرَ.
***
- العلامة الجليل المحقِّق الأستاذ الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (ت: 1417).
قال في ترجمة الشيخ عبدالحي اللكنوي: "قد وقعَ لي أكثرُ مؤلَّفاته، وأنا في استكمال باقيها، ومِنْ عزمي أنْ أحصي صفحات تلك التآليف العديدة المفيدة، لأوزعها على أيام عمره -رحمه الله تعالى- فيظهر منها نبوغُه النادرُ العظيمُ في التأليف والتصنيف...".
***
- الأستاذ الشيخ عبدالعظيم الديب (ت: 1431).
اشتهر -رحمه الله- بملازمته لمؤلفات الإمام الجويني، وأخرج له:
-كتاب "البرهان" في أصول الفقه.
-كتاب "الغياثي": "غياث الأمم في التياث الظلم".
-كتاب "الدرة المضية فيما فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية".
-كتاب "نهاية المطلب في دراية المذهب"، أمضى في تحقيقه ما يزيد على (20) عامًا.
وأخرج عنه:
-إمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني، حياته وعصره - آثاره وفكره.
-فقه إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجويني، خصائصه - أثره - منزلته.
-الندوة الألفية لإمام الحرمين الجويني (تنظيم وإشراف).
***
-الأخ الكريم البحاثة المتتبع الأستاذ خالد بن محمد المختار البداوي السباعي (المغربي):
له ولعٌ شديدٌ واهتمامٌ كبيرٌ بآثار العلامة الشيخ عبدالحي الكتاني وآثاره ومآثره.
ومما أخرج في هذا المجال: الكتاب المعجب: "تاريخ المكتبة الكتانية"، في جزأين كبيرين.
وليته يكتب عن نشأة هذا الاهتمام، وما رأى وما جرى له ومعه في ذلك.
***
وقد يُلحقُ بهذا ما قاله آغا بزرك في "الوشيعة" "أنَّ علماء الشيعة بعد شيخ الطائفة [الطُّوسي] إلى قرب مئة سنة كانوا يكتفون بتصانيف الشيخ ولا يتجاسرون بتأليف في قبال تأليفاته، أو فتوى مخالفة لفتاواه".
***


التراث. التخصص. المكتبة الإسلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع