مدونة مولاي مصطفى المقدم


ممارسة الوثائق قبل الإسلام

مولاي مصطفى المقدم | moulay mustapha el mouqadim


26/04/2022 القراءات: 1454  



لا شك عند كل من اطلع على التاريخ القديم أن عملية التوثيق أمر يرجع إلى زمن بعيد، وأن التوثيق قديم قدم الكتابة، ففي تاريخ البشرية وقائع وأحداث كثيرة يتبين من خلالها أن التوثيق عملية قديمة، وسأعطي أمثلة على ذلك في بعض الحضارات القديمة المعروفة.
أولا ــ الوثائق في الحضارة السومرية:
عرفت الحضارة السومرية التي قامت في وادي الرافدين في الألف الرابعة قبل الميلاد قد عرفت الكتابة والعقود التجارية وهي تعد أول حضارة عربية، وقد توصل الباحثون إلى معرفة استعمال الكتابة في الشرق في المعاملات من قبل زمن إبراهيم - عليه السلام - بنحو خمسمائة سنة، يدل على ذلك الوثائق التي عثروا عليها في بطون أرض بلاد «أور» و«رفاء» في البلاد العراقية مكتوبة من زمن السريان والكلدان .

ثانيا ــ الوثائق في الحضارة المصرية:
قد عرفت الحضارة المصرية أيضا عملية التوثيق في المعاملات وغيرها، قال الدكتور علي حنبولة: «عرفت الحضارة المصرية القديمة نظام السجل العقاري العيني، وإن الملكية العقارية في مصر لا تنتقل إلا بعد إشهار التصرف الناقل للملكية في السجل الخاص المعد لذلك».
ولعل من أبرز الأمثلة على وقوع التوثيق في الحضارة المصرية ما أورده الدكتور محمد عبد الجواد عند ما قال: «إن سكان برقة في عهد البطالمة عرفوا نظام تسجيل العقود في الأراضي الزراعية والمنازل وأراضي البناء، وذلك من خلال الوثائق التي اكتشفت في تاريخ مصر في العهد البطلمي، منها وثيقة خاصة بتسجيل العقود الإغريقية بصفة عامة يرجع تاريخها إلى سنة (209/210) قبل الميلاد، والثانية خاصة ببيع العقارات، والثالثة أمر ملكي أصدره أحد البطالة في القرن الثالث قبل الميلاد يحظر فيه على أمناء الخزانة في الإسكندرية تسجيل بيع أي عين إلا أن يثبت البائع ملكيته لهذه العين»( ).
والمتأمل في هذا النص يلاحظ أن قدماء المصريين قد باشروا عملية التوثيق في عقودهم وفي الأوامر التي كانت تصدر عن ملوكهم، والظاهر من خلال هذا النص أن ملكية العقارات وحيازتها لم تكن لتثبت لأحدهم إلا بوثيقة تدل على ذلك، ولقد أطلعنا الزريقي بشكل موجز على الصيغة التي كانت تدون بها الوثائق في هذا العصر فقال: "يذكر فيها اسم البائع واسم أبيه، وحيه، وكذلك المشتري، مع دفع رسوم للتسجيل الذي يجب أن يتم لدى أمناء الخزانة، وذكر موقع العقار ومكانه وأسماء الشهود، وتحديد المدة التي يجب فيها إعلان البيع وتسجيله"( )
ولقد أورد البخاري وغيره حديثا نلمس من خلاله أن التوثيق كان قبل الإسلام أمرا واقعا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى ولَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وجَدَ الْمَالَ والصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ واللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا.
فهذا الحديث دليل على أن الناس قبل الإسلام كانوا يوثقون ديونهم وأماناتهم بالكتابة على صحف، كما فعل الرجل المدين لما أخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة وثَّق فيها أداء الدين الذي عليه لصاحبه ورماها في البحر آملا أن تصل إلى صاحبه.


الوثائق قبل الإسلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع