مدونة سعيد السلماني


ملاحظات نقديّة حول النّظريّة التّشييئية

سعيد السلماني | selmani said


17/04/2022 القراءات: 2796  


في الفرق بين الظّاهرة الإنسانيّة والظّاهرة الطّبيعيّة:
انطلاقا من خصوصيّة «الظّاهرة الإنسانيّة» و«مركزيّة الانسان» في الكون وقدرته على التّجاوز، لاحظ كثير من العلماء في الشّرق والغرب أنّ هناك اختلافات جذريّة بين الظّاهرة الإنسانيّة والظّاهرة الطّبيعيّة، نجملها في عشرة مقابل عشرة على الشّكل الآتي :

من خلال هذه المقارنة بين الظّاهرة الطّبيعية والإنسانيّة، يتبيّن أنّ هناك تعسّفا واضحاً في تطبيق المنهج الوضعي على كلّ الظّواهر بما فيها الإنسانيّة. فالنّظريّة التّشييئيّة تصلح تماما في الظّاهرة الطبيعيّة، فهي لا عقل ولا إرادة لعناصرها، ومظهرها ينمّ عن مخبرها، أحاديّة النّسق...الخ، لذا يمكن ملاحظتها عن طريق الحواس والعقل، وبالتّالي تصبح جاهزة للتّجريب المخبري في فصل تامّ بين ذات الباحث وموضوع بحثه. في حين يصعب تطبيق ذلك على موضوع الظّاهرة الإنسانيّة، بوصفها ظواهر عنصرها الأساسي هو الإنسان، وهذا الأخير يمتلك عقلا وإرادة، وهو «كائن اجتماعي بطبعه» كما يقول «ابن خلدون»، «كائن رامز» حسب ارنست كاسيرر، «كائن مفكّر مبدع عاقل» كما عبّر عن ذلك ديكارت، «كائن أخلاقي» كما ذهب إلى ذلك «طه عبد الرحمان» وغيره من فلاسفة الأخلاق.
إنّ الإنسان كائن معقّد، تعبت الأقلام في تحديد ماهيته. إنّه عصي عن التّعريف، لذا فأيّ دراسة للظّواهر المرتبطة به أشدّ الارتباط ينبغي أن تراعي هذا التّعقيد الذي يتّسم به. من هذا المنطلق اكتشف الكثير من علماء الغرب والشّرق سذاجة الرّؤية التّجريبيّة الوضعيّة، التي تصرّ على الحقائق الصّلبة وعلى السّببيّة الصّلبة والمطلقة، والتي ذهبت إلى أنّ قوانين التّاريخ والمجتمع الإنسانيين تشبه قوانين الطّبيعة (بالمعنى السّاذج لفكرة القانون العلمي) وحاولت اكتشاف هذه القوانين وصياغتها بطريقة «علميّة» دقيقة كمّية، وأصرّ هؤلاء العلماء الذين رفضوا مثل هذه الرّؤية السّاذجة على ضرورة التّمييز بين العلوم الإنسانيّة والطّبيعيّة، وعلى ضرورة رفض فكرة وحدة العلوم وواحديتها.
إنّ العلوم التي تدّعي أنّها إنسانيّة وتدور في نطاق المرجعيّة المادّية الكامنة تنطلق من الايمان بأنّه لا توجد عناصر إنسانيّة مستقرّة أو طبيعة بشريّة ثابتة خاصّة، فما يوجد هو ممارسات وعقائد لا ينتظمها إطار. وانطلاقا من مفهوم وحدة العلوم يبدأ تأسيس علوم طبيعيّة تستبعد الجوهر الإنساني ومفهوم الطّبيعة البشريّة. وممّا لا شك فيه فإذا أراد الإنسان أن يبني جسرا فإنّه لا بدّ أن يعرف طبيعة المواد التي سيبني بها هذا الجسر، وطريقة تنظيمها وتركيبها وخواصها...الخ، ومن دون هذه المعرفة، لا يمكن أن يدّعي الإنسان أنّه على «علم» بالجسر. ولتأسيس علم الحيوان، مثلا، لا بدّ أن نعرف نطاق هذا العلم من خلال تعريف الحيوان في مقابل الإنسان والنّبات، وحتّى في العلوم غير الدّقيقة، مثل النّقد الأدبي وتاريخ الفنون، لا بدّ أن تتمّ الإجابة عن سؤال ما الأدب؟ والسّؤال الذي لا بدّ أن نطرحه هو: هل يمكن تأسيس علوم إنسانيّة دون معرفة الإنسان؟ هذا ما حدث بالفعل في العلوم الإنسانيّة الغربيّة إذ اختفت فيها الإشارات إلى «الطّبيعة البشريّة» تماما، ولا يمكن الحوار إلاّ من خلال المؤشّرات الكميّة والجداول والقرائن المادّية المباشرة .
إنّ محور هذا النّقد الابيستمولوجي ينطلق من مسلّمة أساسيّة منطوقها: إنّ التّقليد الأعمى والعبوديّة المطلقة للعلوم الطّبيعيّة، ولّد أبحاثاً فجّة ومتعسّفة جدّا في السّابق، وعلى الباحث في العلوم الإنسانيّة أن يعرف كيف يستفيد من مناهج العلوم الطّبيعة. بمعنى أن يتعامل معها بحذر ومرونة. وعليه، فمعيار الموضوعيّة الذي تنشده العلوم الدّقيقة وترفعه مبدأ صارماً (أي فصل الذّات عن الموضوع)، يصعب تطبيقه بنفس الصّرامة العلميّة عندما يتعلّق الأمر بمجال الإنسانيّات.
ملاحضة:
للاطلاع على الموضوع بشكل مترابط يمكن الرجوع الى صفحتنا على المنصة في قسم النشر العلمي.


نقد، ظريّة، تشييئ ظاهرة انسانية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع