مدونة أ.د بلقيس أحمد الكبسي


ج2/ قراءة نقدية لرواية ( نزوة قابيل ) الناقد " إبراهيم أوحسين / المغرب

أ.د بلقيس أحمد الكبسي | Prof.Dr. Belqes Ahmed ALkebsi


01/03/2022 القراءات: 1228  


الروايةُ الصرخةُ ما بعد النزوة قراءة في رواية "نزوة قابيل" للأديبة اليمنية أ. د بلقيس الكبسي.
لن نطيل التوقف عند أعتاب العنوان كثيرا، فالعناوين وإن كانت المنفذ الأول لأي عمل مهما كان، إلا أنها قاصرة إلى حد كبير عن الوشاية بما يكتنزه المتن بين دفتي الغلاف؛ إذ نزعم أن عنوانا مثل" الإخوة كرامازوف"_ للروسي دوستويفسكي _ يستحيل أن يقدم لنا أبسط الملامح عن العالم الإنساني المتشعب والمتنوع المبسوط بين أحداث هذا العمل الكبير و قس على ذلك. نشير كذلك إلى أن الكاتبة هنا اختارت نمطا دارجا من العناوين، وهو المُعرب نحويا خبراً لمبتدأ محذوف تقديره اسم إشارة (تقدير الجملة: هذه نزوة قابيل). أما الغلاف الخارجي للرواية، سواء كان من مخيال الكاتبة أو من مخيال المصمم، فله ما يبرره شكلا ومضمونا؛ فاختيار اللون الأسود لونا مكتسحا وطاغيا يبعث برسالة تلقائيا إلى المتلقي مضمونها الحزن والغموض والضياع والأفق المسدود، في حين أن السواد أيضا يرمز للجمال وللأناقة وللسكون وللحب، وكم احتفى العرب بهذا اللون في خواطرهم وفي أشعارهم،إذ لازلنا نتذكر قول قيس بن الملوح:
وقالوا عنكِ سوداء حبشية // ولولا سوادُ المسكِ ما بِيعَ غالِيَا
وقول القائل:
إذا لبس البياضَ صار بدراً // وإن لبس السَّوادَ سَبَى العِبَادَا
وغيرها من الأعمال الأدبية المحتفية بالسواد، نذكر مثالا لا حصرا: أرض السواد /عبد الرحمن منيف؛ حليب أسود / إليف شافاك؛ الأسود يليق بك/ أحلام مستغانمي؛ العسكري الأسود/ يوسف إدريس؛ غواية السواد/ كريم بلاد؛ التراب الأسود / أيوب النحاس... وغيرها قديما وحديثا. يشار كذلك إلى أن الغلاف ضم تسعة مؤلفات شعرية و نثرية، كما يمكن للقارئ منا ملاحظة العبارة المُذَيِّلة للدفة الخلفية المقتبسة من متن الرواية نفسها، التي تقول:"الحرب لا تنام والحب لا حد له، لذلك لن أخوض أية حروب فاشلة مهما تمادى الألم لن أنهزم، لن أجازف بالقلب، سألزم الصلاة و الحب، يقينا سأنتصر..."؛ عبارة وشت بالكلمتين / المفتاحين اللتين يجوز بهما الدَّلف إلى عمق الرواية وغورها، وهما: الحب والحرب...
الحب والحرب: ثنائية التلازم والترادف.
كانت ثنائية الحب والحرب ولا تزال الشغل الشاغل للكائن البشري العاقل،بل، إن معظم تاريخ الإنسان تاريخُ حربٍ وحبٍّ؛ فإذا كان الحب بلا شك غريزة آدمية، فالحرب كما زعم ابن خلدون في مقدمته"أمر طبيعي في البشر لا تخلو عنه أمة ولا جيل".و إن ثبتت الثنائية في حق الإنسان،فلن نبالغ إن أثبتناها أيضا في حق غير العقلاء، ونقصد الحيوان بالذات؛ فهو كما تحدث عنه الجاحظ في موسوعته الحيوان لا يمنعه ارتقاءه سلّم الإنسانية سوى عوزه إلى القدرة على التفكير والوصول إلى حرية الاختيار، أما ما عدا ذلك، فهو مضارع للإنسان في أغلب غرائزه، وهو إذن محبٌّ و محاربٌ. فإذا كان الأمر كذلك فمن غير المستغرب أن نجد في الأساطير اليونانية والإغريقية حديثا واسعا عن آلهتي الحب والحرب (إيروس و آريس)؛ ومن نافلة القول إذن التذكير بقصص تاريخية كان الحب والحرب فيها الحبكة الثابتة والمتحولة، وهنا نقصد حرب طروادة، وحرب قبيلة بكر بن وائل من أجل الجليلة حبيبة كُليب بن ربيعة، وبطولات عنترة العبسي من أجل عبلة بنت مالك، وغيرها كثير؛ كما يمكن التذكير على السواء بأعمال روائية احتفت بهاتيك الثنائية لا على سبيل الإمتاع والمؤانسة فحسب، بل، لأن أحدهما حقا يستلزم الآخر ومرادف له بشكل ما وإن بدا لنا الموضوعان على طرفي نقيض؛ ولنا مثال في:"في الحب والحرب"و"لمن تقرع الأجراس"/ همنغواي ؛"عالقة بين الحب والحرب"/ أريج الخصاونة ؛"لماذا تكرهين ريمارك؟"/ محمد علوان جبر؛"أوان الحب أوان الحرب"/ كريم بلاد ؛"الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال"/ ريتشارد فلاناغان؛"وقت للحب.. وقت للحرب"/ إريك ريمارك ؛"ذهب مع الريح"/ مارغريت ميتشل؛"دكتور جيفاكو"/ موريس باسترناك ؛"باب الشمس"/ إلياس خوري ؛"نوستالجيا الحب والدمار"/ السعيد الخيز؛"أحضان مالحة"/ ريمة راعي... وغيرها من أعمال نظرت إلى الثنائية من زوايا متعددة، مُضْفِية عليها لمستها النوعية في الحدث و المخيال والشخوص، وكذا في الزمان والمكان. إنها الثنائية التي ألهمت الشعراء والروائيين والمفكرين، بل، شغلت حتى علماء النفس كفرويد مؤلف كتاب"الحب والحرب والحضارة والموت"، و مايكل ماتيوز صاحب كتاب"رأس صلب"، والموضوع على كل حال له امتدادات وتشعبات في مختلف المجالات المعرفية الإنسانية، إلا أن المقام لا يتسع للإسهاب وللتفصيل، وسنكتفي بما تم إيراده وإن اتسم بالإيجاز.
الرواية: المتنُ حاملا موضوعتي الحب والحرب. يُحسب للكاتبة في الحقيقة جرأتها _ وهي تكتب عملها الروائي الأول _ على الجمع بين موضوعي الحب والحرب، لما يتسمان به من صعوبة في التناول والتفكيك، فالأول مَعينه العاطفة ودواخل الوجدان، والثاني يصنع المآسي الكبرى ويفتح العين على مشاهد لا تتأتى إلا للقليل، بل، إن الحرب تُلجم اللسان وتُجمّد الأقلام وتُوقف التفكير؛ لكن الروائية استطاعت _ بعدما أخذ الشعب اليمني في التعوُّد على آثار تلك الحرب العدوانية _ حزم أمرها واستجماع قواها الذاتية والانفعالية، وتمكنت من كتابة باكورتها الأولى "نزوة قابيل " مُنهية إياها قبل انتهاء الحرب التي مازالت تحصد الحصائد إلى يوم الناس هذا كما أسلفنا بالذكر.
الرواية صيغت من عشر فصول ومن ثنتين وثمانين ومئة صحيفة، مما يُبرز بجلاء أن الكاتبة إنما كتمت مأساتها الحقيقية وجروحها الغائرة ولم تبح إلا بالنزر اليسير عوض إيثار الكتمان والصمت. استأنفت الكاتبة روايتها بمعجم تطبعه السوداوية وكل مفردات الكآبة واليأس والضياع والألم _ كأنك تقرأ بؤساء فيكتور هوغو أو جين آير لشارلوت برونتي_، والأصل أن تكون لغة تصف الحرب ومخلفاتها كذلك، فاختارت الكاتبة اقتحام معمعان الحرب وساحتها ووصف ما أحدثته القذائف والقنابل في حضارة امتدت لآلاف السنين وفي بلد أصبح في طرفة عين أكواما من جثث بشرية متعفنة وركاما من حيطان أسمنتية وأخرى حجرية. كل شيء عاد القهقرى وعاد به الزمن خلفًا حتى غدت اليمن بقايا دولة وأشلاء تاريخ.


الروايةُ ، الصرخةُ ،قراءة نقدية في رواية "نزوة قابيل" للأديبة اليمنية أ. د بلقيس الكبسي.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع