مدونة خميس حياة.


المعتقدات الدينية بين السحر والاسطورة

خميس حياة | Khemis hayat


06/12/2022 القراءات: 1089  


المعتقدات الدينية بين ثنائية السحر والأسطورة

لقد إهتمت العديد من الدراسات بتحليل ودراسة النظام الديني، كالأنثروبولوجيا الدينية، وعلم الاجتماع الديني، وفلسفة الأديان... وتنوعت وجهات النظر والتفسيرات المقدمة لفهم الدين ونشأته وأصوله بإختلاف تصوراتهم العلمية والمعرفية لفهم الظاهرة الدينية.

يشكل الدين نسق من الأنساق الاجتماعية المؤثرة في كافة الأنساق الأخرى، ويكمن القول أن الدين نظام اجتماعي يعبر عن تصور معين وأسلوب خاص لفكرة الفرد أو الجماعة، والدين في جوهره العام الجانب المقدس في حياة الفرد والمجتمع.

إن الدين لا يزال مصدرا للأفكار والمعتقدات الأساسية لدى الإنسان بصفة خاصة، والمجتمع والجماعة الاجتماعية بصفة عامة وتخضع هذه الممارسات عادة إلى تصورات دينية نابعة عن مختلف الشعائر الطقوس، والعادات والتقاليد والأعراف التي تندرج ضمن نطاق النسق الديني.

وتمثل الممارسات الدينية تعبيرا عن ثقافة، حيث اتخذت أشكالا وعدة مظاهر وطقوس جعلت منها أهمية كبيرة في كونها ساهمت في صنع المواقف وتحديد الاتجاهات ونمط الحياة.

ونظر دوركايم إلى الأفكار والممارسات الدينية على أنها تشير وترمز إلى الجماعة الاجتماعية، كما اعتبر المجتمع المنبع الأصلي للدين ولذلك عرف الدين بأنه نسق موحد من المعتقدات والممارسات التي تتصل بشيء مقدس وهذه المعتقدات والممارسات في مجتمع أخلاقي واحد يضم الذين يرتبطون به.

ويرى "دوركايم" أن الدين يضم مجموعة من المعتقدات، والممارسات في نسق شامل يحقق القداسة للأشياء المحرمة، وهذه المعتقدات توجد بين الأفراد وتخلق مجتمعيا أخلاقيا، أي الإسهام الجمعي في المعتقدات يعتبر شرطا أساسا لوجود الدين، كما أوضح "دوركايم" أن الطبيعة الملزمة للمعتقدات والممارسات الدينية، وقوة الدين وارتباطه بأشكال الفكر الأساسية يرجع إلى أصله المرتبط بالمجتمع( مهدي محمد القصاص، 2008، ص 52،51)

و بناء على مختلف الدراسات التي تناولت نشأة وتاريخ الأديان أشارت إلى أن المعتقدات الدينية أو (الاعتقاد الديني) يكون نابع من منهجين أساسين: الأول الاعتقاد الديني الرسمي الذي يتقيد به الفرد من خلال الأصول ومبادئ الشريعة ، والمنهج الثاني الاعتقاد الديني الغير رسمي الذي يقبل فيه الفرد مختلف الممارسات الشعبية مثلا كالسحر والأسطورة.

إن الجدلية القائمة بين كل من الدين والسحر والأسطورة أفرز ت بدورها تصورات وممارسات التي تأخذ شكل المعتقدات الدينية بإعتبار الدين جزء من المجال الأيديولوجي للمجتمع.

الدين والسحر:

يمثل السحر من بين أهم المعتقدات التي عرفتها البشرية، فالممارسات السحرية تعتبر جزء من الاعتقاد الديني،

وما قامت دراسة تهتم بالدين ومختلف القضايا التي تندرج ضمنه سواء من الناحية الإجتماعية والأنتروبولوجية والفلسفية إلا واتجهت باهتمام صوب محاولة التمييز بين السحر والدين، والدين والمعرفة والعلاقة بينهما (هنري برجسون، 1945، ص 151).

إهتم "كارل ماركس" بدراسة السحر وعلاقته بالدين فقد أشار إلى أن الإنسان هو الذي يصنع الدين، وليس الدين هو الذي يصنع الإنسان، والدين أفيون الشعوب، وقد كان متفق مع فكرة أن أقدم أشكال الدين إرتبطت بعبادة الطبيعة أو ما يطلق عليه المذهب الإحيائي هذا هو المنبع الذي يضرب فيه السحر بجذوره، على جانب الأخر من تطور المجتمعي.

وكان العلامة والمنظر الإجتماعي البريطاني "هربرت سبنسير" أول من نشر نموذجا تطوريا اجتماعيا صور فيه السحر على أنه نموذجا بدائيا للدين يقوم على العلاقات المتجانسة وعبادة الأسلاف ولكنه- كممارسة- قابل للتكيف مع تطور الدين، بحيث يستطيع الدين والسحر التعايش معا.
ويرى "تايلور" أن السحر كان موجودا في بادئ الأمر باعتباره تعبيرا عن الفكرة الإحيائية التي ترى أن الأشياء - وكذلك البشر- لها أرواح أو جوهر روحاني وكان الفكر الإحيائي والسحر سمة الشعوب التي تحتل مراتب دنيا على مقياس الإنسانية، ثم تتطور الدين كفئة مستقلة من مفهوم الروح البشرية ثم كانت الخطوة التطورية التالية هي التحول من الشرك إلى التوحيد ( ديفيز أوين، 2014، ص ص،19، 20).

ومن هذه المقدمات المنهجية المطروحة تبين أن الظواهر الدينية تنتظم في فئتين رئيسيتين: المعتقدات والشعائر أو العادات. والمعتقدات هي تمثلات تعبر عن طبيعة الأشياء المقدسة القوة والفضيلة التي تخلع عليها تاريخيا وعلاقتها مع بعضها ومع الأشياء الدنيوية والعادات أو الشعائر التي تعتمد على المعتقدات هي عبارة عن قواعد للعمل تتصف وتحدد كيف يجب على الإنسان أو يتصرف مع الأشياء المقدسة، والتميز بين ما هو مقدس وبين ما هو دنيوي هو إذن في قلب كل دين، فالمعتقدات الدينية المعروفة سواء كانت معتقدات بسيطة ومركبة تظهر صفة مشتركة (دانيال هرقيه ليجيه، جان بول ويلام، 2005، ص ص 213،214).
الفرق بين السحر والدين:
من حقنا أن نتساءل عن علاقة السحر بالدين والطبيعة التي يحملها كل منهما ،ولعل أصعب إشكالية واجهت الأنثروبولوجين في دراسة المجتمعات البدائية هي إشكالية التمييز بين السحر والدين، وأعيتهم الحيلة للوصول إلى رأي موحد بهذا الشأن نظرا لتداخل مظاهر السحر ولأن ما تعده الثقافة دينا ينظر إليه ممارسات دينية على أنها من أعمال السحر المحرمة والكهانة والكفر. ومن الآراء التي ساقها الأنثروبولوجيين بهذا الشأن القول بأن السحر ذرائعي ووسائلي يمكن تسخيره لجلب المنافع أو لإحداث الضرر وهو لا يشمل على أي بعد روحي أو أخلاقي، بينما الدين تغلب عليه النزعة الأخلاقية ويتعلق بأمور الآخرة أكثر منه بأمور الدنيا.
ويرى جيمس فريزر في كتابه الغصن الذهبي أن السحر مثله مثل العلم والتكنولوجيا ما هو إلا وسيلة الرجل البدائي للسيطرة على قوى الطبيعة وتسخير قوانينها لمصلحته من خلال إجراءات معينة فهو علم البدائيين فالساحر مثله مثل العالم يحاول التأثير على القوى الطبيعية وتسخيرها لمنفعته (درنوني سليم،2017، ص 5)


المعتقدات/ الدين/ السحر / الاسطورة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع