مدونة محمد الصديق احمموشي


الأقليات الدينية بالمغرب: تدبير الاختلاف والتنوع

محمد الصديق احمموشي | Mohamed Seddik Hmamouchi


04/11/2022 القراءات: 1437  


تبرز مسألة الاختلاف، بين الأغلبية والأقليات الدينية، كأحد المسائل الجوهرية في تاريخ المغرب، لارتباطها بالتحديات الكبرى التي يواجهها في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولاعتبارها دوما مصدر خلاف وتوتر، إن لم تحسن الدولة تنظيم العلاقة بين الطرفين، أو تغفل، عن عمد أو حسن نيّة، الخصوصية الذاتية لأقلياتها.
1. المشترك الاجتماعي بين المسلمين واليهود والمسيحيين: التكافل الاجتماعي نموذجا
إن البحث في موضوع الأوبئة والمجاعات التي اجتاحت المغرب، خصوصا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإلى غاية منتصف القرن العشرين، يتطلب منا الكشف عن بعض جوانب هذه الأزمات التي تمسّ ظاهرة التكافل الاجتماعي بين المسلمين، واليهود، والمسيحيين. ومعلوم أن هذه الأزمات وإن أضعفت المغرب عموما، فإنها خلّفت دمارا كبيرا لحق كل الأجناس والطوائف الدينية التي كانت تعيش على أرضه، فكانت الخسائر كبيرة على جلّ المستويات. فالوباء لا يقع في مفترق مكونات المجتمع المغربي كلّ في محيطه الجغرافي المغلق، ولا تستهدف المجاعة، بطبيعة الحال، المسلمين وحدهم دون أن تمسّ باقي معتنقي الديانات الأخرى، ومن ثم فإن دراسة هذا الموضوع تصبح رمزا للعلاقة بين المسلمين واليهود والمسيحيين برمتها، وبإمكانها أن تقدم لنا تقييما شموليا للعلاقات بين الجماعات الدينية في المغرب. لقد مضى على المغرب زمانٌ ساد فيه منهج الاشتراك والتعايش رغم الاختلاف والتنوع، مع ما يقتضيه ذلك من تفتح الأغلبية المسلمة على الآخرين المختلفين معها دينيا، وتعاون معهم، ولذلك سعى المغاربة المسلمون إلى التقارب مع أهل الكتاب، بدل التباعد والاستئثار والسيطرة تحت اسم الحق الوطني أو الديني. وقد أظهروا جميعا، تحت مسمى المشترك الاجتماعي، مقدرة على احتواء الاختلافات وضبطها، وتصحيح الاختلالات التي يعرفها المجتمع، خصوصا عندما تتعرض البلاد لموجات من الوباء والمجاعة. وبرز، في هذا الإطار، التكافل الاجتماعي كتعبير تلقائي من طرف ساكنة المغرب بمختلف مكوناته وأطيافه الدينية، لحمايته من النكبات ودفع الضرر الدي يتهدد الأفراد داخل الجماعة.
ومن هذا المنطلق، فإن الاهتمام بالمشترك الاجتماعي ورصد مختلف مظاهر التضامن وأشكاله، كفيل بردم الهوة بين الأفراد داخل نفس البلد، مهما كانت انتماءاتهم الدينية، ومعالجة أي اختلال في التوازنات الاجتماعية إلى درجة تحول معها التكافل الاجتماعي إلى معطى بنيوي يتحكم في العلاقة بين المسلمين واليهود والمسيحيين برمّتها.
إن معالجة أشكال التضامن في المغرب خلال الأزمات التي تعرض لها عبر تاريخ طويل يمتد من المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى غاية المنتصف الأول من القرن العشرين، تقدم لنا الدليل الواضح على أن الساكنة اليهودية والمسلمة والمسيحية ابتكرت منذ زمن مبكر أدوات وأساليب التآزر، ونهجت سبلا كثيرة قصد إيجاد حلول كفيلة تجنّبها شبح الموت. وأمكن الوقوف، في هذا السياق، على مؤسسات قادرة على الإسعاف والغوث عبر المبادرات الخيرية وتجريب كافة آليات التكافل المتاحة، فشكّلت، بحق، إحدى مظاهر التعايش بين الطوائف الدينية داخل المجتمع المغربي.
2. المشترك الديني بين المسلمين واليهود والمسيحيين: تغيير المعتقد نموذجا
بات من المؤكد أن الاختلاط والتجاور الذي ميّز علاقات المسلمين باليهود والمسيحيين خلال مرحلة الاستعمار وما قبلها، أثمر صداقات وزيجات مشتركة، فكان ذلك مدعاة للاشتراك في الدين، ومبررا كافيا لتغيير المعتقد الديني لكثير من المسيحيين واليهود بالخصوص. وفي هذا السياق، تنهار كل الحدود والحواجز المادية والمعنوية، ويُكسِب المشترك الديني الاختلاطَ معنى آخر يجعل التعايش بين الأطراف الثلاثة أكثر واقعية. وبذلك أصبح الأفراد، داخل المجتمع المغربي، قادرين على بناء علاقة إيجابية بين المجموعات الدينية المختلفة، ووجد المسيحي، الوافد الجديد، نفسه يتقاسم مع جاره المسلم واليهودي مجالا واحدا، بل أيضا دينا مشتركا.
فمن الواضح أن وظيفة الدين في المجتمعات الإنسانية تبرز في ترسيخ وتأكيد الإحساس بالتضامن الاجتماعي وربط الأفراد بعضهم ببعض، إنه تأكيد للتضامن الاجتماعي في الأوقات التي يجد فيها الناس أنفسهم مرغمين على التكيف مع التغيرات الأساسية في حياتهم. لكن إلى أي حدّ يمكن أن يصمد هذا التصور لوظيفة الدين أمام ظاهرة التحول الديني من دين رسمي معترف به من طرف الجماعة إلى دين آخر، وإلى حد يمكن اعتبار الاشتراك في الدين سببا آخر في تعزيز هوية هذه الجماعة عوض الخوف من فقدانها؟
إن حالات التحول من دين إلى آخر في المغرب منذ بداية المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى غاية نهاية المنتصف الأول للقرن العشرين مؤشر جيد على المشترك الديني بين الجماعات الدينية الثلاث، وعلى تداخل المصالح بين أفراد هذه الجماعات لدرجة أصبح معها هذا الفرد يختار دينه بنفسه، ويعلن انتماءه إليه، ويفتّش عن سلطة دينية للتصديق عن اختياره.
وأمام تنامي حالات الارتداد عن الدين المسيحي خلال فترة الاستعمار بالخصوص، سارعت السلطات الاستعمارية، في المنطقتين الفرنسية والإسبانية، إلى تجريب كافة وسائل الفرملة والكبح، في محاولة لصونالكبرياء الفرنسي والإسباني، وردّ الاعتبار للدين المسيحي، في إطار سياسة عدائية واضحة ضد الإسلام. وعندما راهنت الإدارة الاستعمارية على جاليتها الأوربية، باعتبارها قوة ثالثة في تثبيت دعائم حكمها بالمغرب، وجدت نفسها محرجة أمام الأرقام المخيفة التي كانت تعكس حركية انتقال مواطنيها من دين الدولة المستعمِرة إلى دين الدولة المستعمَرة.
إن جاذبية الدين في إطار المشترك الديني، فضلا عن التكافل الاجتماعي باعتباره أحد أهم عناصر المشترك الاجتماعي، شكلا دعامتين أساسيتين في ربط الأفراد بعضهم ببعض داخل المجتمع المغربي، وساعدا بشكل كبير في ترسيخ وتأكيد الإحساس بالتضامن والتعايش، مما مكّن من إعطاء صورة واضحة عن العلاقات بين الجماعات الدينية في المغرب.


المسلمون؛ اليهود؛ المسيحيون؛ المغرب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع