مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي


الأمن الأخلاقي ضرورة لتحقيق الأمن الإنساني

الباحثة لطيفة المهدي شوقي | Latifa Elmehdi CHAOUKI


27/10/2022 القراءات: 1161  


إن ماوصلت إليه البلدان العربية الإسلامية اليوم من انحلال أخلاقي وهبوط قيمي سببه الرئيسي هو الإنسلاخ من العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة والدين القويم، فبعدما كانت البقاع العربية منبعا للأخلاق الفاضلة نشاهد اليوم أنها أصبحت مرتعا لمهرجانات الفجور والفسوق والإدمان والتحرر، فكيف لبلد إسلامي يسطر الإسلام دينا في دستوره وتشريعاته بأن يسمح لشرذمة من المتشردين المدعوين بالفنانين والموهوبين وهم الذين لم يتموا تعليما عاليا ولم ينالوا شهادات ولم يتمتعوا بمستوى من الأخلاق والأدب ولم يراكموا تجاربا وعلوما حقيقية تنفع البلاد والعباد ولم يفقهوا من كلمة فن سوى التفلت والإنحلال، بأن يسوقوا جيلا بأكمله من الشباب والمراهقين إلى مستنقعات الضياع والإدمان والتقليد الأعمى، ثم يعتبرهم ذاك الجيل قدوات ناجحة. وهنا السؤال المطروح : من المسؤول عن اعتلاء هاته الفئة المسمومة تلك المنابر؟ ونبقى في نفس الدائرة ونجيب بأن المسؤولين عن الشأن الثقافي هم سبب الداء والعلة وهم من بأيديهم تشخيص الدواء ورفع هذا البلاء عن شباب هذه الأمة، فلو كانت المسؤولية القيمية والعقائدية حاضرة لديهم لما تجرأوا للسماح لمثل هؤلاء بالوقوف على المنصات والخشبات ومخاطبة الشباب بألفاظ مبتذلة وهابطة، ولكانت المقامات توزع بالعدل حسب المستوى العلمي والأخلاقي ولما ابتلينا بمسؤولين تغيب عنهم معاني "كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته" . ففي حين هناك من شباب الأمة من هم مغيبون ومطموسوا الحقوق ومنهم حاملي الدراسات العليا والدكاترة والباحثين والمبتكرون وحاملي المشاريع يعانون بعمق من صعوبات البحث العلمي والبطالة وغياب الدعم الكافي لمشاريعهم البحثية ويفتقدون لفرص الشغل الأقل توقعا ويهانون في الإدارات العمومية ولا يتمتعون بأدنى الحقوق كما في الدول النامية، هناك من يجني أموالا طائلة مقابل إفساد عقول الشباب وجرهم الى مالا يحمد عقباه، أين مسؤولية وزارة الثقافة والشباب؟ ألم يكن من الواجب على الدولة سن قوانين زجرية تدين مثل هؤلاء وتمنعهم بث سمومهم بكل حرية؟ هل تجاوز معنى الحريات العامة لدينا الفصل 3 من دستور 2011 والذي يقر أن دين البلد الإسلام، والفصل 19 الذي يحد من الحريات إذا كانت تمس بثوابت البلد وبالأخلاق العامة . أين دور المجلس العلمي الأعلى في استنكار مثل هكذا تجاوزات؟ وما دوره في الأساس إن لم يكن حماية حمى الأخلاق العامة وإرشاد الأفراد إلى السلوك القويم والمنهج السديد؟ لماذا عميت كل الجهات المسؤولة عن استنكار مثل هذه الخروقات التي تمس أساسا بأهم لبنة من لبنات المجتمع وهي الشباب؟ فكيف لبلاد تسعى لمنافسة الدول النامية اقتصاديا وسياسيا وهي لم تحقق بعد الأمن الأخلاقي والإجتماعي؟ لماذا، لم تفكر البلدان العربية لحد الآن في سن ميثاق يسمى "الميثاق الوطني للأخلاق العامة" بحيث يكون مستنبطا من الهوية الدينية والثقافية للبلد، ويلزم الأفراد ويعاقب متجاوزيه كباقي القوانين الجنائية والمدنية الخ.
كيف تسعى البلدان الإسلامية إلى تنمية مستدامة وأمن إنساني وسلم وسلام وهي لم تحقق بعد أمنا أخلاقيا عاما لأفرداها، نحن نقول، أن أول ما تبنى به الحضارات وتبنى عليه الهويات الثقافية وتنمى به الشعوب هو "الأمن الأخلاقي" الذي لا يتجزأ من الأمن الإجتماعي، فالدول التي تسعى للتنمية والتطوير كما تعمل على توفير أمن صحي وتعليمي واقتصادي وسياسي وبيئي، كذلك تسعى لتحقيق مستوى عال لأفرادها من "الأمن الأخلاقي" وهذا لا يتأتي فقط بترك باب الحريات العامة مفتوحا على مصراعيه، وإنما باستعمال أسلوب الترغيب والترهيب كما ثبت في القرآن والسنة النبوية الشريفة، وكما أقر به في كثير من النظريات العلمية التي تقوم على مبدأ المكافأة والعقاب، وهذا يساعد بدوره كثيرا من الدول في السير بعيدا في مجال الحكامة الأمنية والتي تقوم أساسا على الموازنة بين حفظ النظام العام (ويقصد به حفظ الأمن العام بصفة عامة، وفيه نجد باب حماية الأخلاق العامة للبلد) وحماية حقوق الإنسان والحريات دون تقويض، إلا أن هذه الحقوق والحريات قد تقوض بصفة اسثنائية إذا كان النظام العام والأخلاق والآداب العامة في خطر لأن الحريات تخص أفرادا لحد ذاتهم، أما حفظ النظام العام فيخص مجتمعات بأكملها، لذلك يجب على هذه الأخيرة أن تعي أن الحريات العامة يجب أن تقوض عند مسها بالمعتقدات أو الهويات أو النظام العام للأمن أوالأخلاق العامة. بالمقابل، فإن السعي لتحقيق الأمن الأخلاقي هو في حد ذاته خطوة كبيرة وحل جذري لكثير من المشاكل التي قد يعانيها العالم اليوم وتعتبر أهم القضايا المعاصرة وأهمها الإرهاب والفكر التطرفي العنيف، فالأفراد المتوازنين أخلاقيا يستحيل أن يحملوا مثل هذا الفكر، كما يساهم الأمن الأخلاقي في حل النزاعات العرقية والطائفية والمذهبية، وكذلك يساهم الوازع الأخلاقي في حل الجائحة المناخية بالتزام المسؤولية التامة اتجاه البيئة، وتجاوز السلوكيات التي تدمرها وتقلصها، وتزيد من تفاقم مشاكلها. كما يساهم الأمن الأخلاقي في الوقاية من جرائم التحرش الجنسي بالأطفال وجرائم القتل العمد الذي تسوق إليه العلاقات المحرمة في صفوف الشباب وهو حال حادثة المنصورة بمصر وغيرها من الوقائع المأساوية. كما نلاحظ جليا أن بعض الدول التي اشتغلت على هذا الجانب بلغت مبالغ كبيرة في جميع الميادين والمجالات ونذكر على سبيل المثال دولة قطر والتي تشهد أعلى مؤشر على مستوى التعليم والأمن والصحة الخ، فهذه البلدان نهجت نهجا معتدلا منذ البداية لأجل تحقيق نمائها ورخائها. ومن هنا نعلم أن مفهوم الأمن الأخلاقي هو مفهوم مترابط أساسا بمفهوم الأمن الإجتماعي والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الأمن الإنساني، فلذلك وجب على الدول تبني هذا المفهوم بوضوح والتأسيس له عبر قوانين خاصة تحمي الأخلاق العامة للبلد، ولما لا اعتماد مؤسسة جنائية متخصصة في هذا الصدد.


الأمن، الأخلاق العامة ، الأمن الإنساني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع