مدونة مسعد عامر سيدون المهري


في وداع شهر القران .. أيام راحت وليال انطوت

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


30/04/2022 القراءات: 686  



رمضان الذي دخل علينا قبل أيام ومنحنا فرصة الوقوف مع الذات ومراجعتها، وتدريبها إيمانيا، يجدد الانسان علاقته بربه، ويستشعر بما حوله من الفقراء والمعدمين، ويعيش بين جنبات آيات الذكر الحكيم، ويعيش الجو الأسري والاجتماعي، سواء في لمة وجبة الإفطار والسحور، أو مع الصلوات، خصوصا صلاة التروايح التي ينشط لها الصغير والكبير، مساجد عامرة ، ومصاحف مفتوحة، وتلاوات بين جنباتها بين مسر متدبر، ومجهر متذوق حروفه وكلماته، هذه الآيات التي تطهر النفس والشعور بنورها الذي يخترق الشغاف فيصل الى القلوب والعقول والافهام. ينوع العقل والقلب بين قصة وعبرة ، وتشريع محكم، ووعد ووعيد ، وحجاج للرسل والنبوات،مع طرف من تاريخهم، وصور من وقائع أحداث متفرقة بتعبير جزل ومتين، وبلاغة رفيعة، وبين تشريع ينظم وقت المسلم وفكره وشعوره، في علاقته بخالقه وربه، وعلاقته بالمخلوقين من حوله، هكذا يتنقل المؤمن في هذه المائدة العذبه ذات العبق الاخاذ والنور الساطع والطعم الاحلى من الشهد، ثم إذا ما ترك المصحف أحس ببراد ذلك النور والطيب في احساسه ومشاعره، فإذا به قد تهذب وجدانه وزكت نفسه ، وعذبت أخلاقه.. ولا عجب في ذلك فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق نبينا الكريم الذي أبهر العرب كافة .. فكان جوابها في قمة الإيجار والاعجاز، حين قالت رضي الله عنها: كان خلقه القرآن ..
ثم حين يغادر المؤمن بهذه الروح الطيبة التي تعلق بها من طيب القرآن ونفحاته الربانية، فإذا به يرى العالم من حوله بهذه النظرة القرآنية، وهو تتردد على بصره وسمعه هذه الاية الكريمة (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فيعرض منحازا إلى ضميره وايمانه وتقواه، فيستحق الاشادة القرآنية ، والذين هم عن اللغو معرضون .. او قوله تعالى(إذا مروا باللغو مروا كراما..) ويرجع الى منزله وفي نفسه فيض من هذه الروح متمثلا كل معالمها في كل لحظاته، في أخذه وعطاءه في قوله وفعله في خلوته وحضوره، مع أهله، مع أصدقائه، مع أبنائه وزوجته في كل أحوله .. تتراءى له الاية الكريمة (وقولوا للناس حسنا) .
اما التروايح فلها من اسمها نصيب، كيف لا؟ وهي صلاة .. وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام إذا حزبه امر فرع الى الصلاة .. بل كان يقول لمؤذنه بلال رضي الله عنه (ارحنا بها يابلال)
التروايح كواكب ونجوم تضيء ليال رمضان، مساجد عامرة بشع من نوافذها وأبوابها النور، ومن مآذنها تلاوات عذبه تتسلل الى القلوب والافئدة دون استئذان.. وإذا رأيت ثم رأيت في المساجد الرمضانية شيوخ ركع ، وشباب وأطفال خشع، ونساء يتسابقن الى المحاريب والمصليات، وفتيات صغار يقلدن امهاتهن في المسابقة الى تلك المصليات..
عشنا هذه اللحظة وكلنا دعاء أن يقبل ربنا منا ..وأن يرحمنا ويعفو عن تقصيرنا .. مرت تلك الأيام وانطوت الليالي، بيد أنها أضافت الى ذاكرتنا وذواتنا شحنة من ايمان، وتركت بصمتها في سلوكنا حري بنا أن نحرص عليه تمثلا وسلوكا، حتى تتهذب نفوسنا وتسمو أفكارنا .. لقد قدم لنا رمضان دورة نفسية تطور ذواتنا وتنهض بها الى مراقي المصطفين الاخيار الذين يسيرون على هدى الأنبياء والمرسلين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. انقضى رمضان موسم العبادة ولم تنقض العبادة .. انقضى رمضان شهر القرآن بيد أن القرآن لم تنقض عجائبه، ولم تطو صفحاته، بل هو كتاب مفتوح على مدى العام ، ومائدة مشروعة لكل من أقبل إليه ..
فنسأل القبول والعتق من النار ونسأله أن يجعل نُزلنا إلى جناته جنات النعيم...


رمضان، القرآن ، العيد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع