مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


الحقوق الرقمية والامن الالكتروني واحترام حق الخصوصية

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


02/07/2022 القراءات: 2271  


الحقوق الرقمية والامن الالكتروني واحترام حق الخصوصية
عززت تكنولوجيا الاتصالات من قدرات الحكومات والمؤسسات والأفراد على القيام بأعمال المراقبة واعتراض الاتصالات وجمع البيانات. حيث لاحظ المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التعبير والرأي حقيقة أن فعالية الدولة في القيام بعمل المراقبة لم تعد محدودة من حيث النطاق والمدة، وأدى انخفاض تكاليف التكنولوجيا وتخزين البيانات الى الحد من القيود المالية والعملية للقيام بعمل المراقبة، وتملك الدول حالياً من القدرات أكثر من أي وقت مضى للقيام بعمل مراقبة متزامن ومحدد الهدف وواسع النطاق. وبعبارة أخرى، فإن المتصفحات الاساسية ومحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي وشتى وسائل التكنولوجية الرقمية التي تعتمد عليها الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية بشكل متزايد غير حصينة أمام المراقبة الجماعية فحسب، بل يمكن في الحقيقة أن تيسر هذه المراقبة وبطرق مختلفة حاول الدول ادخالها لمقتضيات ترعي بها الامن الالكتروني الشخصي والحق في احترام الخصوصية للأشخاص.
وفي هذا الاطار اولت الجمعية العامة للأمم المتحدة لموضوع "الحق في الخصوصية في العصر الرقمي" اهتماماً خاصاً، وتداولت الجمعية هذه المسألة بالكثير من النقاشات، مؤكدة على أن الحق في الخصوصية هو حق من حقوق الإنسان، ومشددة، للمرة الأولى، على أن نفس الحقوق التي يتمتع بها الافراد يتعين حمايتها أيضا على الانترنت، ودعت الدول إلى "احترام وحماية الحق في الخصوصية، بما في ذلك في سياق الاتصالات الرقمية". وكان هذا القرار، الذي صاغته البرازيل وألمانيا، من بين أكثر من 65 نصا أوصت بها اللجنة الثالثة للجمعية العامة (الاجتماعية والإنسانية والثقافية) حول مجموعة من القضايا تتعلق أساسا بحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية ومنع الجريمة. ومشيراً إلى أنه في حين أن المخاوف بشأن الأمن العام قد تبرر جمع وحماية بعض المعلومات الحساسة، فانه يتعين على الحكومات ضمان الامتثال التام لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد دعت الامم المتحدة الدول إلى المحافظة على نظام فعال ومستقل ومحلي، قادر على ضمان الشفافية، حسب الاقتضاء، ومساءلة المراقبة واعتراض الاتصالات وجمع البيانات الشخصية. وطلبت الامم المتحدة أيضا من المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن تقدم تقريراً بشأن حماية وتعزيز الحق في الخصوصية في سياق المراقبة المحلية وخارج الحدود الإقليمية، واعتراض الاتصالات الرقمية وجمع البيانات الشخصية، بما في ذلك على نطاق واسع، إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته 27 وإلى الجمعية العامة في دورتها 69، وقد اكدت المفوضة السامية على أن "الحق في الخصوصية، والحق في الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير يرتبطون ارتباطا وثيقا، والجمهور لديه الحق الديمقراطي في المشاركة في الشؤون العامة وهذا الحق لا يمكن أن يمارس على نحو فعال من خلال الاعتماد فقط على المعلومات المصرح بها".( )
وقد أدى الطابع الديناميكي للتكنولوجيا إلى تغيير الأسلوب المعتمد في المراقبة فضلاً عن تغيير "المادة" القابلة للرصد، وبفضل شبكة الإنترنت التي أتاحت فرصاً شتى للاتصال وتبادل المعلومات، بات من اليسير إعداد كميات كبيرة من بيانا ت المعاملات التي يقدمها الأفراد أو التي تتعلق ﺑﻬم . وتشمل هذه المعلومات التي تعرف باسم بيانات الاتصال أو البيانات الفوقية المعلومات الشخصية عن الأفراد ومكان وجودهم ونشاطهم على شبكة الإنترنت، والسجلات وما يتصل بها من معلومات تتعلق بالبريد الإلكتروني ورسائلهم الواردة والصادرة. ويمكن تخزين بيانات الاتصال والاطلاع عليها والبحث فيها، وهناك نقص كبير في الضوابط التي تنظم كشفها للسلطات الحكومية واستخدام هذه السلطات لها. ويمكن لتحليل هذه البيانات أن يكون كاشفاً عن الكثير من المعلومات لاسيما عندما يتم تجميع البيانات ومراكمتها. ولذلك تعتمد الدول أكثر فأكثر على بيانات الاتصال في دعم إنفاذ القانون أو التحقيقات المتعلقة بالأمن القومي. كما تفرض الدول حفظ بيانات الاتصال واستبقاءها ليتسنى لها المراقبة استنادًا إلى بيانات سابقة.
كذلك تراخت آليات حقوق الإنسان عن تقييم تداعيات الإنترنت والمستجدات التكنولوجية في عالم مراقبة الاتصالات والنفاذ إلى بيانات الاتصال على حقوق الإنسان، ولم يجر مجلس حقوق الإنسان والمكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة وهيئات معاهدات حقوق الإنسان حتى الآن دراسة شاملة لعواقب توسيع صلاحيات المراقبة المخولة للدول وممارساﺗﻬا على الحق في الخصوصية والحق في حرية الرأي والتعبير، وعلى ترابط هذين الحقين.
ولم تواكب التشريعات، بصورة عامة، وتيرة التغييرات التي تشهدها التكنولوجيا وفي أكثرية الدول، فإن المعايير القانونية غير موجودة أو غير مناسبة للتعامل مع البيئة الحديثة لمراقبة الاتصالات، لذلك، تسعى الدول، على نحو متزايد، لتبرير استخدام تكنولوجيات جديدة، في الأُطر القانونية القديمة، دون الاعتراف بأن ما يتوّفر لديها من قدرات هامة حالياً يتجاوز بكثير ما تخوله تلك الأُطر، ويعني ذلك تذرع العديد من البلدان بأحكام قانونية مُبهمة وذات مفهوم عام لإخفاء المشروعية على استعمال تقنيات رقابية خطيرة وإقراره .ودون سنّ قوانين واضحة تخوّل استعمال هذه التكنولوجيات والتقنيات وتعرّف نطاق استعمالها، لا يمكن للأفراد أن يتوقعوا تطبيقاتها- أو حتى يعرفوا بوجودها. وفي الوقت نفسه، تُعتمد قوانين ﺑﻬدف توسيع نطاق الاستثناءات تحت بند الأمن القومي، أو لإضفاء الصبغة الشرعية على تقنيات المراقبة دون مراجعة مستقلة.


القانون الدولي لحقوق الانسان - الحقوق الرقمية - التقدم التكنلوجي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع