مدونة ا.د سلوان كمال جميل العاني


بطارية بغداد اول اختراع لتوليد الكهرباء

ا.د سلوان كمال جميل العاني | Prof.Salwan K.J.Al-Ani (Ph.D) FInstP


05/11/2021 القراءات: 5561  



ربما يعتقد البعض أن الحضارة الحالية هى الأكثر تقدما من الحضارات القديمة، نظرا للتطور العلمى والتكنولوجي الهائل الذى شهده العالم فى القرنيين الماضيين، لكن مع الوقت عرفنا أن الحضارات القديمة كانت على قدر كبير من التطور أيضًا، وربما كانوا أكثر منا ذكاءً. هل حضارتنا هي الحضارة الوحيدة المتطورة التي ظهرت على الأرض؟ قد يعتقد الكثيرون منا ذلك، ولكن علماء الآثار لهم رأي آخر. فالكثير من الاكتشافات الاثرية أثبتت وجود حضارات سادت ثم بادت واندثرت بعد أن قطعت شوطا كبيرا في مسيرة التطور، وانتجت للعالم من العجائب والابتكارات التى مازال العلم الحديث عاجزا عن تفسيرها رغم ما وصل اليه من تكنولوجيا متقدمة. ونشير هنا الى انه قبل 20 قرنا وفي العام 224 قبل الميلاد صنع انسان بلاد الرافدين اختراع عجيب تدل مكوناته على توليد الكهرباء . حيث توجد في متحف العراق الوطني جرة صغيرة بحجم قبضة اليد وهذه الجرة قد تتطلب منا اعادة النظر في كتب تاريخ الحضارات القديمة. من المعروف أن عالم الفيزياء الايطالي اليساندرو فولتا هو مخترع البطارية الكهربائية في العام 1800م، الذي استنتج من تجاربه ان وجود قضيبين معدنيين من مادتين مختلفتين في وسط كيميائي يولد لنا طاقة كهربائية، وهذا الاكتشاف أدى الى تخليد اسمه كوحدة لقياس فرق الجهد الكهربائي (الفولت). لكن الجرة الصغيرة الموجودة في بغداد تخبرنا أن (فولتا) لم يكتشف البطارية الكهربائية بل انه (أعاد) اكتشافها ! اكتشفت الجرة العام 1936 في منطقة بالقرب من بغداد بطول 13 سم وعرض 8 سم، وفي العام 1938 اثارت مكونات الجرة انتباه عالم الآثار الألماني وليم كونيك التي تحتوي على اسطوانة نحاسية مغلقة من الاعلى باحكام بمادة الاسفلت ويحيط بهما الفخار، ويتدلى داخل مركزها اسطوانة مجوفة من رقائق النحاس وتحتوي عمودا حديديا مرتكز على غطاء الجرة من سبيكة الرصاص والقصدير. وظهرت على الجرة علامات تآكل وكشفت الاختبارات الأولية وجود عامل حمضي كالخل حيث ان وجوده يؤدي الى تفاعل ينتج تيارا كهربائيا، فما كان من العالم كونيك الذي لم يضيع وقته بالبحث عن تفسيرات بديلة لاكتشافه فبالنسبة إليه كان لا بد أن تكون هذه الجرة وما تحتويه هي خلية لتوليد الكهرباء وعلى الرغم من أنها كانت صعبة التفسير إلا أنه نشر استنتاجاته العام 1940 واطلق عليها تسمية بطارية بغداد. تم اختبار الخلية في مختبرات جنرال الكتريك وجرت عمل محاكاة مماثلة للبطارية فكانت الجرة المستنسخة تولد كهرباء بقوة 0.5 فولت لجرة مماثلة وطلاء بعض المعادن بالفضة بسمك واحد من عشرة الآف مليميتر. وتمكن عالم الماني في عام 1970 من توليد كهرباء بإجراء تجربة على نموذج مماثل لبطارية بغداد، لكنه ملأها بالعصائر وخاصةً العنب، واستطاع أيضًا توليد الكهرباء بقيمة 0.87 فولت، واشار الى أن شحنة واحدة من هذه البطارية قادرة على طلاء تمثال متوسط الحجم من الفضة بطلاء الذهب. وبذلك ترسخت حقيقة علمية لدى العلماء ان بطارية بغداد كانت مولدا حقيقيا للكهرباء. وكان السؤال المهم لماذا اخترع العراقيون القدماء هذه البطارية الكهربائية و فيما كانت تستخدم؟ ظهرت عدة نظريات تحاول الاجابة على هذا السؤال منها أن هذه البطاريات كانت تستخدم في طلاء التماثيل بالذهب او الفضة بالذهب ويؤيد هذا الإدعاء وجود الكثير من المعادن مطلية بالذهب والفضة في مناطق اكتشاف هذه الجرة. وهناك فرضية تخمن استخدامها لحفظ للنصوص المقدسة على ورق البردي والفرضية الاخرى للعلاج بالابر حيث وجدت بعض الأبر قريبا من البطاريات، ومن المعروف ان العلاج بالابر يكون مصحوبا احيانا بتيار كهربائي خفيف. ولكن حتى الآن تبقى هذه مجرد فرضيات ولم يتم التأكد حتى الآن من الغرض الحقيقي وراء صناعه هذه البطاريات قبل 1800 سنه من اكتشافنا لها. وبقيت هذه البطاريات وعددها 12 محفوظة منذ اكتشافها عام 1940 داخل المتحف الوطني العراقي يوفد السائحين لرؤيتها من كل بقاع العالم حتى جاء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذى معه نهبت الكثير من الكنوز والآثار العراقية، وكان من بينها تلك البطارية التى تعد أعظم آثار العراق وأكثرها قيمة ،حيث تمت سرقتها من المتحف العراقي اثناء الغزو على أيدي مجهولين ! ولم يتم العثور على البطارية حتى الان ويأمل العراقيين لعودة البطارية من جديد الى بغداد .


بلاد الرافدين ، بطارية بغداد، الكهرباء، المتحف الوطني العراقي ، الطلاء بالذهب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع