مدونة سعد رفعت سرحت


شيء عن الجملة الابتدائية والمستأنفة النحوية و المستأنفة البيانية

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


17/04/2022 القراءات: 4904  




كثيرًا ما يلام النحاة إذا ما وضع عطاؤهم إزاء عطاء البيانيين،مع أنّ كلا الحقلين يكمل أحدهما الآخر،ومن المسائل التي يُلام عليها النحاة على ما نقرأ ونسمع تقصيرهم في باب الجمل،والى هذا يطال اللوم الاستئناف النحوي حين يوضع إزاء الاستئناف البياني،ويطال اللوم النحاة لأنهم لم يميّزوا بين الجملة الابتدائية والجملة الاستئنافية.


نبدأ الحديث عن التمييز بين الجملة الاستئنافية البيانية بنوعيها النحوي والبياني قبل الحديث عن التمييز بين الابتدائية والاستئنافية

عن التفريق بين الجملة الاستئنافية بنوعيها:النحوية و البيانيّة،فالإشكال واقع في الجمل المستأنفة التي تأتي في أثناء الكلام من دون وساطةِ حرف،وبالتحديد تلك التي تناولها البيانيون بتأنٍ في باب الوصل، و لا نظّن أنّ أضرب الفصل كان غائبًا عن النحاة البتّة،فتمييز النحاة بين عطف البيان و عطف النسق ،و حديثهم عن الصفة و التمييز والحال لم يخلُ من الإشارة الى مسائل الفصل والوصل،ولكن على مستوى المفردات لا على مستوى الجمل،وهو لا يختلف كثيرًا عمّا تناوله البيانيون في باب الفصل والوصل على مستوى التراكيب(هذه تحتاج وقفة) على أنّ المعربين بحكم نظرتهم التحليلية اكتفوا بتسمية هذه الجمل بالاستئنافية من غير أن يشيروا في الغالب إلى نوع الاستئناف:أ هو بياني أم نحوي. فعندهم يكفي أنها منقطعة عن سابقتها صناعيًّا،ولا شأن لهم بتفسير هذا الانقطاع ،أو لنقلْ لم تكن إشارتهم إلى ذلك ضرورية،ولكن لا نعني هنا أن النحاة لم يقفوا على أشكال التناسب بين الجمل نهائيًّا سواء على الصعيد النظري أم على الصعيد الإجرائي، فقراءة كتب إعراب القرآن ومعانيه تشهد بمدى توغلهم في إيجاد صلة بين التراكيب.


تختلف الجملة الاستئنافية النحوية عن البيانية بحكم طبيعة مبحثي النحو والبيان،فالنحو علم تحليليّ و البيان علم تركيبيّ،ولهذا تجد الجملة الاستئنافية النحوية لا تتضمن بيانَ طبيعة الانتقال من جملة إلى أخرى،إذ لم ينشغل واضع المصطلح ببيان العلاقة بين الاثنتين،وهذا عائد الى أنّ الدرس النحوي يبدأ بالمفردات وينتهي الى الجملة الواحدة ،على حين يتضمّن الاستئناف البيانيّ طبيعة هذا الانتقال ويفسّره،وذلك بالنظر الى أنّ علم البيان يبدأ من الجملة الواحدة إلى ما يتخطاها من الجمل(ينظر:الأصول،د.تمام حسان:٣١٠)وهكذا أشار البيانيون إلى ما يوجب الاستئناف و ترك العطف من أنّ الجملة المستأنفة تنشأ عن سؤال تقتضيه الأولى،فهي جواب لسؤال مقدّر،كما في جملة(صدقوا)من قول الشاعر:

زعم العواذل أنني في غمرة
صدقوا ،ولكن غمرتي لا تنجلي

فحين حكى عن العواذل قولهم فيه(إنه في غمرة)كأنّ السامع قال:((فما قولك في ذلك؟) فقال(صدقوا)(انظر دلائل الاعجاز:٢٣٥)



أمّا عن الجملة الابتدائية والاستئنافية تشير أغلب الدراسات إلى وجود خلط واضح لدى النحاة بين الجملة الابتدائية والجملة المستأنفة، وعندهم أنّ هذا عائد إلى أنّ النحاة لم يفرقوا بينهما تمام التفريق،والذي أراه أنّ هذا الخلط له ما يسوّغه، فعند ابن هشام في المغني تسمّى الابتدائية مستأنفة،وهي على ضربين:الأولى التي يُفتح بها الكلام،نحو(أخوك مسافر)،والثانية التي تنقطع عمّا قبلها بغير واسطة،نحو(مات فلان، رحمه الله)أو بواسطة حروف الاستئناف،نحو قوله تعالى:(فانظروا كيف بدأ الخلق ثمّ الله ينشيء النشأة الآخرة)[العنكبوت:٢٠](انظر المغني:٢ /٣٨٢)



وهذا الترادف بين الابتدائية والاستئنافية يظهر عند المعاصرين أيضًا،يقول الدكتور شوقي ضيف((الجملة الاستئنافية هي الجملة التي تتفتتح الكلام سواء لم يسبقها أي كلام أو سبقها وانتهى،وابتدأت كلامًا جديدًا))(تجديد النحو،د.شوقي ضيف:٢٥٦)


وكان الدكتور فاضل السامرائي قد فصل بين الجملة الابتدائية والاستئنافية،فالابتدائية تلك التي يُفتتح بها الكلام،والاستئنافية تلك التي نستأنف بها الكلام منقطعة عما قبلها صناعيا لاستئناف كلام جديد،إذ لا بدّ من أن يكون قبلها كلام تام، سواء أ كان هذا الاستئناف بدون واسطة كأن تكون الجملة جوابًا لنداء أو استفهام، أم كان بوساطة أحرف الاستئناف كالواو والفاء وثمّ وحتى الابتدائية و أم المنقطعة وبل ولكنْ .وعلى هذا نكون أمام الاستئناف النحوي الذي ترتبط من خلاله الجمل،سواء أكان هذا الربط بحرف أم بغير حرف.(ينظر كتابيهالجملة العربية تأليفها وأقسامها:١٨٧_١٨٨.و إعراب الجمل وأشباه الجمل:٣٤)


وأقصى ما بلغ الأمر لدى المعربين اليوم هو أنّ الابتدائية تلك التي نبدأ بها الكلام،والمستأنفة التي يسبقها كلام،وعلى هذا تكون كلّ جملة استئنافية ابتدائية وليس العكس.

ولكن أ يُعقل أن عدم الفصل بين الابتدائية والمستأنفة كان غائبًا عن بال النحاة إلى هذا الحد؟!.


لا أظنّ ذلك،إذ لا يُعقل أن يغيب أمرٌ هيّن كهذا أو يخفى عليهم،كلّ ما هنالك أن العرب قد تفتتح كلامها ب(الواو وثم والفاء)وهم يفتتحون الكلام بالواو أو الفاء وغير ذلك شعرًا ونثرًا على نيّة تعلّقه بغيره،فضلا عن أنّ الدرس النحوي إجمالًا كان جُمَلِيًّا،وحين تُعرض الشواهد والأمثلة في الدروس والأمالي تُعرض مقتطعة عن تمامها فعزّ عليهم أن يكتفوا عند إعرابها بأحد المصطلحين،و أظنّ أن هذا هو السبب في عدم تمييزهم بين الجملة الابتدائية والجملة الاستئنافية و في عدم التدقيق في هذا الأمر، ويكفي دليلًا على ذلك ما جاء في كتاب الجمل من أن الاستئناف ((معناه الابتداء مثل قولهم خرجت وزيد جالس، وكل واو توردها في أول كلامك فهي وَاو استئناف و إن شئت قلت ابتداء))(الجمل،للخليل:١/ )وعلى ما يبدو من كلام الخليل أنّ الواو قابلة لأن يُبدأ بها الكلام، و تأييدا لذلك أيضًا هو أننا لا نلبث نردّد لازمة(بحسب ما قبلها)في الدرس عند إعراب الجمل المبتدأة بأحرف العطف!.


وكلّ هذا يسوّغ الترادف بين الجملة الابتدائية والاستئنافية، فضلًا عن أنّه يدفع اللوم عن الدرس النحوي،لا سيّما في مرحلة التأسيس قبل أن يتشاطأ حقلا النحو والبيان،ففي مرحلة التأسيس يسود التقعيد و تتسيّد النظرة التحليلة على النظرة التركيبية.


الجملة الابتدائية والاستئنافية بنوعيها النحوي والبياني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


سرد وربط وتحليل رائع جدا دكتورنا المحنك .


شكرا دكتور ياس أخي بوركت