مدونة بكاري مختار


صيام الست من شوال وبعض ما يتعلق به من أحكام ( الجزء الأول)

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


24/05/2020 القراءات: 1854  





إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
صيام الست مِن شوال تتعلَّق به بعض الأحكام، وهي على النَّحو التالي:
♦ أولًا: صيام الست من شوَّال بعد رمضان مُستحبٌّ، وليس بواجب؛ وهذا مذهب جُمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والظاهريَّة وطائفة مِن الحنفية والمالكية، وهو قولُ ابن عباس رضي الله عنهما، وطاوس وابن المبارك وإسحاق.
وذهب بعضُ العلماء - كالحسن وأبي حنيفة والثوري ومالك - إلى كراهية صيام السِّت من شوَّال وعدم استحبابها، خلافًا لقول الجمهور.
قال ابن الهمام رحمه الله في فتح القدير (جـ 2 ص350): (صوم ستة من شوَّال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته، وعامَّة المشايخ لم يروا به بأسًا).
وقال يحيى اللَّيثي (موطأ مالك/ رواية يحيى بن يحيى اللَّيثي جـ1 ص 417): (سمعتُ مالكًا يقول: في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم يرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السَّلَف، وإنَّ أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعتَه وأن يُلحق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك).
والقول الراجح: هو استحباب صيام الست مِن شوَّال، وهو الذي دلَّ عليه الدليل، وبه قال أكثر أهل العلم، وما عدا ذلك فهو قول مرجوح.
وقد أجاب بعضُ المحقِّقين عن مُخالفة الإمام مالك لهذه الأحاديث بأنها لم تَبلغه، أو لم تصح عنده.
♦ قال ابن رُشد رحمه الله في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (جـ 2 ص71): (لعلَّه لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده؛ وهو الأظهر)؛
♦ وقال النَّووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب (جـ 6 ص 379) مُجيبًا عن الاستدلال المذكور: (وأمَّا قول مالك: لم أرَ أحدًا يصومها فليس بحجَّة في الكراهة؛ لأنَّ السُّنة ثبتت في ذلك بلا مُعارض، فكونه لم يرَ لا يضر، وقولهم: لأنَّه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف؛ لأنَّه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله أنَّه يُكره صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه؛ وهذا لا يقوله أحد).
♦ ثانيًا: صيام الست من شوَّال مع صيام رمضان ورد في فضله أجرٌ عظيم، وأنه كصيام الدَّهر، (أي: كصيام سنة كاملة)؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها؛ فصيام شهر رمضان يُعادل في الأجر صيام عشرة أشهر، وصيام الست من شوَّال يُعادل صيام (شهرين).
فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضان، ثمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال كان كصيام الدَّهر))؛ رواه مسلم (1164).
وعن ثَوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة؛ ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]))؛ رواه ابن ماجه (1715).
ورواه النسائي (2873) بلفظ: ((صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوَّال بشهرين؛ فذلك صيام سنة))؛ وصحَّحه الشيخُ الألبانيُّ رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب رقم (1007).
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن صام رمضان وستًّا مِن شوَّال، فكأنما صام السَّنَةَ كلَّها))؛ رواه البيهقي (8693) وأحمد، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عمرو بن جابر الحضرمي، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، (انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط رقم 14302).
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (جـ 3 ص 178): (وجملة ذلك أنَّ صوم ستة أيام مِن شوَّال مُستحب عند كثيرٍ من أهل العلم؛ رُوي ذلك عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران، وبه قال الشافعي).
وقال الشَّوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (جـ 4 ص 282): (وقد استدلَّ بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوَّال، وإليه ذهب الشافعيُّ وأحمد وداود، وغيرهم).
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (جـ 8 ص 56) بعدما ذكر حديث أبي أيوب السابق: (فيه دلالة صَريحة لمذهب الشَّافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة).
♦ ثالثًا: صيام الست من شوَّال من فوائده أنَّه يُعوِّض النَّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان؛ إذ لا يَخلو الصائم مِن حصول تَقصير أو ذَنب مُؤثر سلبًا في صيامه، ويوم القيامة يُؤخذ من النَّوافل لجبران نقص الفرائض؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أوَّل ما يُحاسَب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربُّنا جل وعزَّ لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتَمَّها أم نقصها؛ فإن كانت تامَّة كُتبتْ تامَّة، وإن انتقص منها شيئًا قال: انظروا هل لعبدي مِن تطوع؛ فإن كان له تطوُّع قال: أتمُّوا لعبدي فريضته من تطوعه، ثمَّ تؤخذ الأعمال على ذاكم))؛ رواه أبو داود (864) والبيهقي (4169) والحاكم (965)، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله (صحيح أبي داود رقم 810).
♦ رابعًا: الأفضل في صيام السِّت مِن شوَّال أن تكون بعد العيد مُباشرة ومُتتابعة؛ كما نصَّ على ذلك أهلُ العلم؛ لأنَّ ذلك أبلَغ في تحقيق الاتباع الذي جاء في الحديث ((ثمَّ أتبعه))؛ ولأنَّ ذلك من السبق إلى الخير الذي جاءت النُّصوص بالترغيب فيه والثناء على فاعله.

♦ قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [آل عمران: 133].
♦ وقال: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48].
♦ وقال موسى عليه السلام: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].


شوال، رمضان، الصيام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع