مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


(من فقه النوازل صلاة العيد في ظل الجوائح)

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


08/07/2022 القراءات: 1456  


لا مناص من القول ان التداعيات التي اخذت تترتب على انتشار الاوبئة ومنها جائحة(Covid-19)من بعد تصنيفها من قبل منظمة الصحة العالمية على انها جائحة عالمية لها اثرها على المجتمعات المحلية الداخلية والدولية الخارجية بكافة المجالات تلك التداعيات القت بظلالها على سائر مرافق الحياة واثرت تأثيرا كبيرا على عصب الحياة والشعائر الدينية
فأمست الجائحة من اشد النوازل حيرة واعقدها نظرا وأعظمها أثرا كونها نازلة عالمية إنسانية تمس جوانب الحياة كافة كما ان طابعها الجدلي والعملي اثار جدلا فكريا وفقهيا بما تتسم به من إشكاليات معرفية وواقعية حيث تصدى لها الفقهاء على أثر تزايد تأثيراتها فكان التصدي منوطا بأهل النظر والاجتهاد في لزوم حسم تداعياتها وتأثيراتها فكان مجمل كلامهم منوطا بمدركات شرعية كثيرة جزئية وكلية ومفسرا بتفسيرات مصلحية وإنسانية وواقعية عدة ومن جملتها صلاة العيد وكيفية اقامت شعائرها الدينية في ظل النازلة؟فنقول وبالله التوفيق ان العيد سمي عيدا لأنه يعود ويتكرر فالعيد لغةً مشتقّ من العود وهو الرّجوع والمعاودة لأنّه يتكرّر وقيل يعود بالفرح على الناس وقيل تفاؤلا ليعود ثانية ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ قال الجوهري إنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها وهو يومان يوم الفطر من رمضان وهو أوّل يوم من شوّال ويوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجّة وليس للمسلمين عيد غيرهما
ورب سائل يسأل عن حكم وصفة صلاتها في ظل الجوائح ؟والجواب ومن الله نستمد العون والصواب فالأصل ان صلاة العيدين مشروعة بالنص والاجماع وقد اختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة اقوال:
الاول-وهو قول جمهور العلماء وذلك فيما ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة لحديث الأعرابيّ"الّذي ذكر له النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّلوات الخمس فقال:هل عليَّ غيرهنّ؟قال:لا إلاّ أن تطّوّع"رواه مسلم وابو داود والنسائي ولفعله صلى الله عليه وسلم لها ومداومته عليها
والثاني-قول الحنفية إلى أنّها واجبة وجوبا عينيا وبه قال ابن حبيب من المالكية وهو رواية عن احمد واختار هذه الرواية وهذا القول ابن تيمية وابن القيم والصنعاني ورجحه الشوكاني ومن العلماء المعاصرين العلامة ابن باز وابن عثيمين والالباني والوادعي لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليها من دون تركها ولو مرّةً
والثالث-وذهب الحنابلة إلى أنّها فرض كفاية لقوله تعالى(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )الكوثر/2 ولمداومة النّبيّ صلى الله عليه وسلم على فعلها
فاذا تعذرت صلاة العيد في المصليات والمساجد بسبب الاوبئة كما تعذرت قبلها صلاة الجمعة والجماعة في المساجد فإنها تصلى في البيوت جماعة وفرادى لأنها حالة عجز فتصلى ركعتين بدون خطبة وذلك بعد طلوع الشمس قيد رمح بالنص والاجماع وهذا هو اول وقت صلاتها وقال ابن عثيمين ووقت صلاة العيد بالتوقيت المعاصر بعد طلوع الشمس بمقدار ربع ساعة تقريبا واما آخر وقتها فهو وقت الزوال بالنص والاجماع فينتهي وقتها بدخول الظهر فاذا دخل انتهى وقت صلاة العيد بالإجماع فمن نام او نسي ثم ذكرها قبل الظهر فليصليها قبل الظهر
وقولنا بدون خطبة لان الخطبة لا تكون الا للإمام والجماعة الكبرى وهذا مذهب الجمهور واستدلوا على ان صلاة العيد اذا كانت في البيت تكون بدون خطبة بما ثبت عن انس ابن مالك رضي الله عنه انه اذا فاتته صلاة العيد مع الامام جمع اهله فصلى بهم مثل صلاة الامام في العيد رواه البخاري- في باب اذا فاته صلاة العيد يصلي ركعتين وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى- معلقا بصيغة الجزم ووصله ابن ابي شيبة في المصنف بإسناد صحيح فهذا الاثر صحيح وان كان الالباني قد ضعفه وطبعا في هذا الاثر لم يذكر انه كان يخطب وانما يصلي بهم بقية الصلاة وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية والبخاري وغيرهما وبه الفتوى ان صلاة العيد في زمن كورونا تصلى في البيوت بدون خطبة
كما افتت اللجنة الدائمة في مكة برئاسة عبد العزيز ابن باز ومن فاتته صلاة العيد واحب قضاءها استحب له ذلك فليصليها على صفتها من دون خطبة بعدها هذا هو الشاهد من الفتوى انها اذا صليت في البيت فتصلى بدون خطبة وهكذا المسافر واصحاب الاعذار والمريض والمرأة وكل من كان له عذر فانه يصليها في البيت بدون خطبة ايضا
ويستحبّ لذلك الغسل للعيدين لما روى ابن عبّاس والفاكه بن سعد رضي الله عنهم"أنّ رسول اللّه كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة"رواه ابن ماجة وإن اقتصر على الوضوء أجزأه ويستحبّ أن يتزيّن ويتنظّف ويحلق شعره ويلبس أحسن مايجد ويتطيّب ويتسوّك لماروي عن ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:"قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو لعيده"اخرجه ابن عبد البر في التمهيد وقال مالك:سمعت أهل العلم يستحبّون الطّيب والزّينة في كلّ عيد وأفضل ألوان الثّياب البياض وإن استوى ثوبان في الحسن والمنّافسة فالأبيض أفضل فإن كان الأحسن غير أبيض فهو أفضل من الأبيض في هذا اليوم فإن لم يجد إلاّ ثوباً استحبّ أن يغسله للعيد
والخلاصة ان صلاة العيد في زمن الجوائح ممكن ان تكون في البيوت وصفتها انها تصلى بعد طلوع الشمس بربع ساعة بدون آذان ولا اقامة يجهر فيها بالقراءة فيقرأ في الركعة الاولى الفاتحة وسورة الاعلى اذا كان يحفظها او يقرأ ما تيسر اذا لم يحفظها ثم يقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وسورة الغاشية اذا كان يحفظها او يقرأ ما تيسر مع الفاتحة ويكبر في الركعة الاولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الاحرام قبل قراءة الفاتحة هذا مذهب الجمهور وهو الصحيح ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال قبل قراءة الفاتحة والتكبيرات تسمى تكبيرات الزوائد عند جمهور اهل العلم ويرفع يديه مع كل تكبيرة وهذا مذهب الجمهور وليس هناك ذكر يتخلل تكبيرات الزوائد عند جمهور العلماء ورجحه من العلماء المعاصرين ابن عثيمين والبرادعي وغيرهما والله تعالى اعلى واعلم وهو الاعز والاكرم واسأل الله أن يختم لنا بالإيمان والغفران والعتق من النيران انه ولي ذلك والقدر عليه


فقه النوازل صلاة العيد الجوائح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع