التوازن التركيبي وعلاقته ببناء الدلالة الشعرية
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
18/01/2024 القراءات: 468
إن العمل الفني " يعد واقعة جمالية تمثل موضوعًا فنيًا قائمًا على التناسب والانسجام بين عناصره وأجزائه التي يتكون منها ، ويجد المتلقي فيه قيمًا جمالية تملأ روحه وتشبع نهمه وتثير فضوله الجمالي ، غير أن هذا العمل لا يكون موضوعًا جماليًا إلا إذا كان منظمًا تنظيمًا متوافقًا يتمتع بإيقاع فريد يساعد على التناظر والإيقاع والتناسب "( ) .
والتوازن أو التماثل أو التناسب التركيبي يقصد به تماثل عروضي لغوي وهو أن تتماثل جملتان أو أكثر في التركيب الصرفي أو النحوي أو العروضي .
فالمناسبة اللفظية هي :" عبارة عن الإتيان بكلمات متزنات مقفاة ، وغير مقفاة ، فإن كان مع الاتزان تقفية فهي تامة ،وإلا فناقصة "( )
ولذلك فالقطعة الموسيقية " ماهي إلا أصوات أو نغمات متصاعدة من الأوتار ، وهذه النغمات قد تكون مشوهة مضطربة ، وقد تكون جميلة ، فتكون مشوهة إذا عبث بالآلة الموسيقية من لا يجيد العزف ، أولا يعرف النسب المطلوبة والتآلف والتناغم والانسجام بين النغمات فتكون غير مقبولة ؛لأنها لا تجذب المستمع ولا تحدث عنده لذة تقبل العمل الجميل . أما إذا سادها التناسب والتوافق والانسجام ــ لهذه الأصوات المختلفة المتوافقة ــ صارت جميلة مبهجة للمتلقي ، وساد الانسجام كل الأجزاء المقطوعة بحيث لا يمكن للعازف أن يحذف أو يضيف جزاءً من أجزاء العمل الموسيقي أو يغيره ؛لأنه سوف يسيء للمقطوعة الموسيقية كلها "( ).
ويتميز أحمد شلبي بقدرة كبيرة علي أن يناسب بين تراكيبه وأوزانه في شعره ، ويحدث انسجاما كبيرا بينهما ومن ذلك قوله : في قصيدة " الغراب "( ):[مجزوءالرمل]
هُو شَاهِدُ الحدثِ الأليمْ
فى قصَّة القتْل القدِيم
هُو شَاهِدُ الحدثِ الأليمْ
فى قصَّة القتْل القدِيم
هو شاهد الــ حدث الأليم
في قصة الـ قتل القديم
// /0//0 ///0 //0
/0/0//0 /0/0//0
متفاعلن متفاعلن
مستفعلن مستفعلن
نلاحظ أن الوزن العروضي متوافق في الشطرتين من خلال تفعيلة متفاعلن وكذلك مستفعلن . وكلك الوزن الصرفي متوافق أيضًا فكلمة حدث على وزن ( فَعل) وكذلك قتل ، والأليم على وزن الفعيل وكذلك القديم .
فمن حيث النسبة العددية فهي متحققة سواء في صدر البيت أو عجزه، كما أن التناسب بين مواقع الكلمات موجود ، مما أضفى على السياق نوعًا من التناسق والانسجام ، بالإضافة إلى الترتيب المنتظم ، كل ذلك ساعد على وجود التوافق والتوازن التركيبي في المقطوعة .
ويقول في قصيدة " اليمامة " ( ) :[مجزوء البسيط]
تُدَاعِبُ الغُصونْ
وتَسْحَرْ العُيُونْ
تُدَاعِبُ الغُصونْ
وتَسْحَرْ العُيُونْ
تداعب الـــــــــــ غصون
وتسحر الــــــــــ عيون
//0 //0 //0/
متفعلن متفا
//0 //0 //0/
متفعلن متفا
لذلك نجد أن الوزن العروضي متوافق من خلال تفعيلة متفعلن وكذلك الوزن الصرفي من خلال (تداعب وتسحر والغصون والعيون) .
نلاحظ في المقطوعة التناسب في الألفاظ ، وتوازن الشطرتين ، وليس هذا فحسب بل إن حسن تجميع الشاعرلمفردات إطاره الدلالي جعل للإطار كله مظهرًا دلاليًا جماليًا مقبولًا لدى المتلقي ، من خلال هذا التناغم الجميل والتوازن في الأبيات ،والشطرة الثانية من الأبيات تعد نتيجة للشطرة الأولى ، وهذا يعد أيضًا تناسبًا في المعنى .
وقال في قصيدة " محاولة أخيرة للغناء " ( ) [المتقارب]
وأن تتحدى :
وأن تـــــ تحدى
//0 / //0/0
فعولُ فعولن
قيود الجمـود
قيود الـــــــــــ جمود
//0/0 //0/0
فعولن فعولن
وصخرَ الوجود
وصخر الـــــــــــــ وجود
//0/0 //0/
فعولن فعول
وموجَ الأرق
وموج الـــــــــــــ أرق
//0/0 //0
فعولن فعو
وقع التناسب في هذه المقطوعة من خلال ثلاث تكرارات بتركيب نحوي واحد عبارة عن مضاف ومضاف إليه .
والتركيب العروضي كل مضاف ومضاف إليه عبارة عن تفعلتين (فعولن فعولن) .
والتوزان الصرفي نجد أن كلمة الوجود – الجمود على وزن فعول ، وصخر وموج على وزن فعل.
نلاحظ في هذه المقطوعة الشعرية أن الشاعر استطاع أن يوازن بين التراكيب من خلال ترتيبه للألفاظ بطريقة متوافقة متناسبة سواء في صدر الأبيات أو عجزها ، كما أن التوافق والتوازن ظاهر ،فقد وضعت التراكيب بمنتهى الدقة ، فقد جاء التساوي بين المقاطع في الأشطر ، وهذا يجعلها منسجمة في الموسيقى التي تصدر عنها مما يؤثر في المتلقي بصورة كبيرة .
وقال في قصيدة " الرقص على الرماد " ( ) [البسيط].
ارقصْ لمن شئتَ قد فاح الرمادُ بما
قـد خط نـورٌومـا غنى به ذكــرُ
ارقص لمن شئتَ قد باح الدخانُ بما
سارت به الشمسُ والأنداءوالقطـرُ
فاح الرمادُ بما
/0 /0//0 ///0
مستفعلن فعِلن
الوزن العروضي في الشطرتين عبار ة عن تفعلتين ( مستفعلن فعلن) ، والتركيب النحوي عبارة عن فعل وفاعل في الجملتين ، والوزن الصرفي من خلال كلمتي ( باح وفاح) التي على وزن فعل ، ( والدخان والرماد ) التي على وزن الفعال) .
التوازن التركيبي وعلاقته ببناء الدلالة الشعرية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع