مدونة الدكتور محمد محمود كالو


لماذا اهتم القرآن باطمئنان القلب؟

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/10/2021 القراءات: 656  


لماذا اهتم القرآن باطمئنان القلب؟

إن الاكتئاب والقلق؛ هما مرضا العصر، وهما متعلقان بالقلب؛ لأنه العضو الأكثر تعرضاً للإجهادات وبخاصة أننا نعيش في عصر التكنولوجيا الرقمية، ولذلك معظم الأبحاث العلمية تسعى لتنظيم عمل القلب واستقراره، ولكن هذه الأبحاث تجري بعيداً عن تعاليم الإسلام وبالتالي لا تحصد أي نتائج تذكر!

إن ما يصيب الإنسان من القلق والاضطرابُ، عادةً لهُ سببان: الحزن على الماضي، والخوف من المستقبل.

والإنسان يَحزن: إما لدنياه وذلك لفوات منافع دنيوية، كشراء عقار قبل عام وقد ارتفع سعر العقار الآن، أو تَزوجَ بامرأةٍ ما كانَ ينبغي أن يتزوجَ منها، فيحزن ويندم.
أو يَحزن الإنسان لآخرته، كالذي لم يصل صلاةَ الليل، أو كالذي لم يذهب إلى الحج أو العمرة، فيحزن ويندم، إذن تذكر الماضي يوجب الحزن.

أما السبب الثاني لاضطراب الإنسان وقلقه فهو الخَوف، أي الخَوف منَ المُستقبل، كالخوف من الأمراض في المستقبل، أو الخوف على الذرية، إذ أكثر الناس اليوم يُربِّي ولده ويده على قلبه، لأنه لا يعلم النتيجة: هل سيصبح هذا الولد باراً أو عاقاً؟ وكالخوف على الزوجة إذ كثيراً ما تنقلب المرأة أو الرجل رأساً على عَقب، حيث يكون مؤمناً طيباً طاهراً، ثم ينقلب إلى إنسان مريض ومُعقد.

أما الطريق الذي يَسُدُّ باب الخَوفِ والحُزن فهو الطريق إلى الله تعالى، والتمسك بالعروة الوثقى، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63].

إن اهتمام الإسلام بالقلب يعطي انطباعًا راسخًا أنه يهتم بالجوهر أولًا، أما الظاهر والشكل إنما هو ترجمة عما وقر في القلب، فالمظهر ينبغي أن يكون متوافقًا مع ما استقر في النفس، أما إذا كان التدين منفصلًا عن الجوهر فالعاقبة خلل وزلل.

ثم إن القلب السليم ينفع صاحبه في الآخرة، قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88- 89].

أما القلب المطمئن فإن آثاره تظهر في الدُنيا أيضاً، وليس فقط في الآخرة، تخيل معي حين تكون في قمة التوتر والضيق والقلق، وتقول: (أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم وأتوب إليه) عادة ما تنفرج أسارير وجهك، ويخرج نفسك العميق من صدرك، فيحوله من الضيق التي كان عليها إلى الهدوء والراحة، وذلك بسبب استغفارك، فما بالنا إذا داومنا على حالة الاستغفار وذكر الباري عز وجل، قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله ألا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] (وَتَطْمَئِنُّ) فعل مضارع؛ أي في كُلِ وَقتٍ هؤلاء لهم قلوبٌ مطمئنة، وسببُ الاطمئنان؛ هو ذِكرُ الله عز وجل، وهو الذِكر الذي يتغلغل بين تجاويف القلب، فيكسبه الراحة والطمأنينة.

من أجل كل هذا اهتم القرآن باطمئنان القلب، اقرأ إن شئت بخشوع قوله تعالى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة:40] إنها آية صادقة، تَبعَث الروح في النفس، والاطمئنان في القَلب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو فيقول: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) [رواه الترمذي].

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا، ونَقِّ قلوبنا من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جدد الإيمان في قلوبنا، وارزقنا قلباً سليماً مطمئناً يارب.


القرآن، اطمئنان القلب، الحزن، الخوف، القلق، الاكتئاب، الاضطراب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع