مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


من مظاهر استعباد " القشور " كثيرًا من المسلمين

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/01/2023 القراءات: 279  


ومن مظاهر استعباد " القشور " كثيرًا من المسلمين:
زخرفة المساجد، وإنفاق الأموال الطائلة في تزويقها وتشييداها، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا زخرفتم مساجدَكم، وحلَّيتم مصاحفكم، فالدمار عليكم " وعن أنس رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى يتباهي الناس في المساجد " ، (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " .
وأَمَر عمر رضي الله عنه ببناء المسجد، وقال: " أكِنَّ الناسَ من المطر، وإيَّاك أن تُحَمِّرَ أو تُصَفِّرَ فتفتنَ الناس " .
وقال أنس رضي الله عنه: " يأتي على الناس زمان يتباهَوْن بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا " .
وعن الحسن قال: (لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، أعانه عليه أصحابه، وهو يتناول اللَّبِن، حتى اغبرَّ صدرُه، فقال: " ابنوه عريشًا كعريش موسى "، فقيل للحسن: " وما عريش موسى؟ " قال: " إذا رفع يده بَلَغَ العريش " يعني السقف.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (أن الأنصار جمعوا مالًا، فَأَتَوْا به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: " يا رسول الله ابْنِ هذا المسجدَ، وزَيِّنْهُ، إلى متى تصلى تحت هذا الجريد؟ "، فقال: " ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى ") .
إن انصراف القوم إلى الاهتمام بهذه " القشور " يعكس أنهم يعتاضون عن جمال العقيدة بجمال الجدران والزخارف، وعن نور الِإيمان بأضواء الثريات، فيتلهي المصلون بتأملهم في سجوف المنافذ، وإبداع المنابر، ونقوش الجدران والسقف والمحاريب عن الخشوع الذي هو روح العبادة.
وكان من شؤم هذه الزخارف فتح الباب للسياح الأجانب كي ينتهكوا حرمة المساجد بالكاميرات، وفي أوضاع مخلة لمشاهدة القشور التي يسمونها الفنون المعمارية، والزخارف العربية!
ومن الاهمام المذموم بالقشور: تحلية المصاحف بالزخارف، وتذهيبها، وحفظها في عُلَب فخمة من القطيفة أو الجلود أو العاج، لتزيَّن بها أركان الحجرات والمكاتب والسيارات، أو التفنن في كتابة آيات قرآنية كريمة بألوان الخطوط، وتعليقها في لوحات بقصد الزينة، أو حفرها في قطع ذهبية تعلقها النساء بقصد التزين، أو جمع المصحف كله في لوحة واحدة بخط بالغ الدقة لا يقرأ ولو بعدسة مكبرة لتزين بها المجالس، لا ليُقرأ ويتعبد بتلاوته، لا ليعالجوا به أحوالهم المعوجة، وأمراضهم المتمكنة، وإخلالهم بحقوق الله عليهم.
ألا ما أشبه حال القوم بحال (رجل اشتد به المرض، فأخرج الوصية لابنه الأكبر، يوصيه بها: أن يعتني بأمه، ويترفق بإخوته الصغار، ويتقي الله تعالى فيما تركه من مال.
مات الأب، واغرورقت عينا ولده بالدموع، ورثي لحاله الحاضرون، ثم أقبل على الوصية، فقبَّلها، وتمسَّحَ بها، وتبرَّك، ودفع بها إلى خطَّاط لم يُرَ له مثيل، فخطَّط كل حرف بلون، وتكلف له مالًا جزيلًا مقابل ذلك، كي تخرج بصورة جذابة براقة تبهر الناظرين، ثم دفعها إلى خبير في الِإضاءة كي يسلط الأضواء على الحروف كي تسحر العيون، وتخلب الألباب، ثم وضعها في صدر المجلس، يقبِّلها صباح مساء، ويذرف الدموع أمامها على فقد أبيه.
يسمع الابن أنين أمه العجوز خافتًا، فلا يلبِّي، ولا يلتفت، ويُوسِعُ إخوته الصغار ضربًا، ويُشْبِعُهم إهانةً، أما الأموال التي اؤتمن عليها؛ فقد بسط عليها يده كل البسط ليهدرها في كل حرام ومشبوه.
وولد آخر أقبل على الوصية دون تقبيل، ولا تمسُّح، ولا تبرك، لم يزخرفها، ولم يزينها، وإنما أقبل على بر أمه، وخدمها حق الخدمة، يفرح لفرحها ويرعاها، ويبكي لبكائها ويواسيها، يعتني بإخوته، ويرحمهم، ويتابع أحوالهم، ويقضي حاجاتهم، ويتلطف بهم في جميع شئونهم.
أما المال الموروث فقد اعتدل في إنفاقه، وثمَّره، ونمَّاه، وزكَّاه، وبذل منه في وجوه البر والخير.
فأيهما أبر بأبيه، وأقوم بأمره، وأرعى لعهده؟
أذلك الذي يتمسح بالوصية، ويتبرك بها، ويقبلها؟ مع أنه يهمل تنفيذها أم ذاك الذي أمضى ما فيها، وعمل بمقتضاها؟
وماذا تُغني الزينة والزخرفة والتقبيل؛ إذا لم يكن للتنفيذ موضع؟) (1).
لقد أنزل الله عز وجل كتابه العزيز وأمر بتدبره وتفهمه فقال سبحانه وتعالى: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (2) وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3) وقال جل وعلا: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (4).وتوعَّد سبحانه من أعرض عن كتابه العزيز فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) الَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ
الْيَوْمَ تُنْسَى} (1)، وقال جل وعلا: {وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} (2)، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (3)، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}


من مظاهر استعباد " القشور " كثيرًا من المسلمين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع