مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (16)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


09/08/2022 القراءات: 917  


من لطائف الفتاوى:
سئل أبو الطيب الصعلوكي عن لعب الشطرنج، فقال: إذا سلم المال من الخسران، والصلاة عن النسيان، فذلك أنسٌ بين الخلان. كتبه سهل بن محمد بن سليمان
وقال مستدلًا على أن وطء الثيب لا يمنع المشتري من الرد بالعيب: إلمام من غير إيلام، فلا يمنع قياسًا على الاستخدام. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (400/4).
***
علم بعد سنة!
قال الثعلبي في "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" (29/ 315):
"قال المؤرج: ‌سألتُ ‌الأخفش ‌عن ‌العلة في سقوط الياء مِنْ (يسر)؟ فقال لا أجيبك ما لم تبتْ على باب داري سنة، قال: فبتُّ على باب داره سنة، ثم سألته، فقال: الليل لا يسري، وإنما يسرى فيه، وهو مصروف، فلما صرفه بخسه حظه من الإعراب، ألا ترى إلى قوله: {وما كانت أمك بغيا} ولم يقل (بغية)، لأنه صرفه من باغية".
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 70) بسنده "عن غالب ‌القطان -وكان ‌من ‌خيار ‌الناس- قال: أتيتُ الكوفة في تجارة فنزلتُ قريبًا من الأعمش فكنتُ أختلف إليه، فلما كان ليلة أردت أن أنحدر قام يتهجد من الليل، فمر بهذه الآية: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام}.
قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله وأستودع الله هذه الشهادة وهي عند الله وديعة {إن الدين عند الله الإسلام} قالها مرارًا، قلتُ: قد سمعَ فيها شيئًا، فغدوتُ فصليتُ معه، ثم قلت: يا أبا محمد، قد سمعتك ترددها. قال: وما بلغك ما فيها؟ قال قلت: أنا عندك منذ سنة، ولم تحدثني بها. قال: والله لا أحدثك بها سنة، فمكثتُ على باب داره ذلك، وأقمتُ سنة، فلما تمت السنة، قلت: يا أبا محمد قد تمت السنة. فقال: حدثني أبو وائل عن عبدالله قال: قال رسول الله: "يُؤتى بصاحبها يوم القيامة فيقول: عبدي عهد إلي، وأنا أحق مَن وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة".
عمار بن المختار عن أبيه ضعيفان، وهذا لم يأت به غيرهما، والله أعلم".
***
أديب حكيم ناصح
جاء في البداية والنهاية في وفيات سنة (646):
علي بن يحيى جمال الدين أبو الحسن المخرّمي.
كان شابًّا فاضلًا أديبًا شاعرًا ماهرًا، صنَّف كتابًا مختصرًا وجيزًا جامعًا لفنون كثيرة في الرياضة، والعقل، وذم الهوى، وسمّاه: "نتائج الأفكار" قال فيه من الكلم المستفادة الحكمية:
السلطان إمامٌ متبوع ودينٌ مشروع، فإنْ ظلمَ جارت الحكامُ لظلمه، وإن عدل لم يجرْ أحد في حكمه.
مَن مكنه الله في أرضه وبلاده، وائتمنه على خلقه وعباده، وبسط يده وسلطانه، ورفع محله ومكانه، فحقيقٌ عليه أن يؤدي الأمانة، ويخلص الديانة، ويجمل السريرة، ويحسن السيرة، ويجعل العدل دأبه المعهود، والأجر غرضه المقصود، فالظلمُ يزلُّ القدم، ويزيلُ النعم، ويجلبُ الفقر، ويهلكُ الأمم.
وقال أيضًا:
معارضةُ الطبيب توجبُ التعذيب.
رُبَّ حيلة أنفع من قبيلة.
سمينُ الغضب مهزول، ووالي الغدر معزول.
قلوبُ الحكماء تستشف الأسرار مِن لمحات الأبصار.
ارضَ من أخيك في ولايتهِ بعُشر ما كنتَ تعهده في مودتهِ.
التواضعُ من مصائد الشرف.
ما أحسنَ حسن الظن لولا أنّ فيه العجز، ما أقبح سوء الظن لولا أنّ فيه الحزم!
وذكر في غضون كلامه أن خادمًا لعبد الله بن عمر أذنب فأراد ابن عمر أن يعاقبه على ذنبه فقال: يا سيدي أما لك ذنب تخاف من الله فيه؟
قال: بلى.
قال: بالذي أمهلك لما أمهلتني.
ثم أذنب العبد ثانيًا فأراد عقوبته فقال مثل ذلك فعفا عنه، ثم أذنب الثالثة فعاقبه وهو لا يتكلم، فقال له ابن عمر: ما لك لم تقل مثل ما قلت في الأوليين؟
فقال: يا سيدي حياء من حلمك مع تكرار جرمي. فبكى ابنُ عمر وقال: أنا أحقُّ بالحياء من ربي، أنت حرٌّ لوجه الله تعالى.
ومِن شعره يمدح الخليفة:
يا مَنْ إذا بخل السحابُ بمائهِ ... هطلتْ يداه على البرية عسجدا
جوَّرت كسرى يا مبخلَ حاتم ... فغدتْ بنو الآمال نحوك سُجّدا
وقد أورد له ابنُ الساعي أشعارًا كثيرة حسنة. رحمه الله تعالى".
***
من شعر السلاطين بني عثمان:
-قال السلطان مراد الثاني:
تعالوا نذكر الله عز وجل لأننا لسنا بدائمين في الدنيا.
-وقال السلطان سليمان القانوني:
ليس هناك بين الناس شيء أهم من الدولة، لكن الدولة لا تساوي في الدنيا نفَسًا من الصحة.
إن السلطنة إنما هي منازعة دنيوية ولا يوجد في العالم بخت وسعادة مثل الوحدة.
-وقال السلطان سليم الثاني:
نحن بلابل محروقة بنار الفراق.
نصبح نارًا إن هبت في حديقتنا ريح الصبا.
-وقال السلطان محمد الثالث:
لا نرضى بالظلم بل نرغب في العدل.
نريد الحصول على رضى الله.
نحن عارفون وقلوبنا مرآة العالم.
نعلم هبوب الرياح أيضًا.
قلوبنا محروقة بنار العشق من الأزل.
نحن بعيدون من الغش والخديعة، وقلوبنا نظيفة .
-وكان السلطان أحمد الأول شديد الحب لرسول صلى الله عليه وسلم حتى إنه صور أثر قدمه عليه الصلاة والسلام وكتب عليه الشعر الآتي ووصفه في تاجه، وحمله فيه حتى وفاته:
ماذا يكون لو أحمل في رأسي دائمًا مثل تاجي صورة قدم حضرة الرسول؟
إن صاحب تلك القدم هو وردُ حديقة النبوة.
امسحْ يا أحمد وجهَك دائمًا بقدم ذلك الورد.
-وقال السلطان عثمان الثاني:
كانت نيتي الخدمة لحكومتي ودولتي وللعجب إن الحسود يعمل لنكبتي .
-ومن شعر السلطان مراد الرابع ردُّه على الصدر الأعظم الذي حاصرَ مدينة بغداد وطَلب منه المساعدة:
ألا يوجد رجل يساعد الحافظ وبغداد؟ تطلب مني المساعدة ألا يوجد معك الجيش؟
-وقال السلطان سليم الثالث عندما احتل الروسُ القرم:
هل نبقى هكذا تحت السيوف؟ هل يوجد هكذا في ديننا الجلوس والكسل؟
أسر الروس كثيرًا من التتار، هل تقول: لتبقى القرم تحت سيطرة الروس؟
أذهب وآخذ بثأري من ذلك المسقوف، أو أهلك على يد العدو الروسي.
المصدر:
جمعتُ هذه الأشعار من تراجمهم في "ألبوم العثمانيين"، وثَم غيرها.
وللسلطان محمد الفاتح ديوان عرّبه نظمًا وقدَّم له الأستاذ علي محمد زينو.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع