مدونة عبدالحكيم الأنيس


حدثني الحافظ الحلقة الرابعة

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


03/04/2022 القراءات: 1202  


حدَّثني الحافظ (4)
(نُشرت الحلقات الثلاث السابقة مِن سلسلة (حدَّثني الحافظ) في "شبكة الألوكة")

-حدَّثني الشيخُ محمد مطيع الحافظ الدمشقي قال: كان لدى بعضِ أفراد أسرة النابلسي في دمشق مخطوطاتٌ يتوارثونها عن آبائهم، وانتقل بعضُهم مِنْ منزلٍ إلى آخر، فوضع تلك المخطوطاتِ في سقيفةٍ، ثم اكتشفَ وجودَ ماءٍ يقطرُ عليها فأنزلها وأهداها إلى الظاهرية، وكان كثيرٌ منها بخط الشيخ عبدالغني النابلسي.
***
-وحدَّثني قال: قِيلَ لي حين كنتُ أعملُ في مجمع اللغة العربية في دمشق: إنَّ لدى أسرةٍ مخطوطاتٍ وهي تريدُ استشارتك حولها، فذهبتُ إليها فرأيتُ مخطوطاتٍ نفيسةً عليها وقفُ المدرسة الضيائية وغيرِها، وهي بحدود ثلاثين مخطوطًا، وقلتُ لأصحابها: هذه وقفٌ. ونصحتُهم بإعادتها إلى الوقف.
وتعليلُ وجودها لديهم هو أنَّ جدهم كان أمينًا على مكتبة العُمرية -وكتبُ الضيائية نُقِلتْ إليها- فلعله استعارَها لينظرَ فيها. ولم يتيسرْ إرجاعُها.
***
-وحدَّثني قال: نُقِشَ على صخرةٍ في أعلى الربوة في ضواحي دمشق -وتُسمَّى هذه الصخرة صخرة المنشار، وبعضهم يقول: صخرة الانتحار- نُقِشَ: "اذكريني دائمًا". والذي نقشَها عاشقٌ رُفِضَ تزويجُه ممَّن يُحبُّ، فنقشَ هذه الجملة، وألقى بنفسهِ مِنْ هناك مُنتحِرًا! وما تزال الجملة منقوشة، والخبرُ مشهورٌ عند أهل الشام.
***
-وحدَّثني ناقلًا عن الشيخ رزق حَبّة شيخ القراء في مصر أنَّ شيخَه الشيخ عبدالفتاح القاضي دُعِيَ إلى العمل في المدينة المنورة، وطابتْ له الإقامة، فجاء مرةً إلى المواجهة ودعا اللهَ هناك أن يكون موتُه في المدينة، وخرجَ إلى بيته فقال لنفسه: ماذا صنعتُ؟ أهلي وأولادي في مصر! وندمَ.
واتصلَ بصديقٍ له وحكى له ما كان وندمَه فقال له: الأمرُ سهلٌ عُدْ واسأل الإقالة من هذا الدعاء، فعاد وسأل الإقالة. ونزلَ في صيفِ ذلك العام إلى مصر فتُوفي هناك!
***
-وحدَّثني قال: حدّثني عمي الشيخ عبدالوهاب قال: كان الشيخ محمود أبو الشامات (1266-1341) كثَّ اللحية طويلها بحيث تصل إلى سُرَّته، وكانت أطولَ لحيةٍ في دمشق، ومرة كان جالسًا على باب محل أحد أصحابه في سوق الحميدية إذ مرَّت امرأةٌ فاستوقفتها لحيةُ الشيخ فتقدَّمتْ إليه وقالت: هل تسمح لي بسؤال؟ قال: تفضلي. قالت: أنت حين تنامُ هل تكون لحيتك هذه تحت اللحاف أم فوقه؟ فقال لها: لا أدري، الليلة أنظرُ وأجيبك غدًا. فجاءت من الغد وسألتِ الشيخَ فقال لها: والله لم أنم الليلة، مرةً أضعُها تحت اللحاف، ومرةً فوقه، ومرَّت عليَّ الليلة هكذا!
***
-وحدَّثني بالمناسبة عن صاحبِ أطولِ شاربٍ في دمشق وهو الشيخ فائز ابن الشيخ محمد عيد السفرجلاني وقال: رأيتُه مرارًا، كان يجلس عند صاحب له في "العمّارة الجوانية"، وشاربُهُ يتجاوزُ خديه.
وكان عند الشيخ فائز هذا مصحفٌ جميلٌ بخط والده، صوَّرتُ صفحاتٍ منه.
***
-وحدَّثني أنَّ عمَّه الشيخ عبدالوهاب قال: أتقنتُ النحو من القرآن، كنتُ عندما أراجعُ ما حفظتُهُ أسألُ نفسي: ما إعرابُ هذه الكلمة؟ وهكذا.
***
-وحدَّثني أنَّ الشيخ محمد الحامد الحموي جاء مرة من حماة إلى دمشق لاستفتاء الشيخ عبدالوهاب في مسألة فقهية كان قد أفتى فيها. وقد أخذَ بقول الشيخ عبدالوهاب ورجعَ عن قوله، وأعلن هذا على منبر جامع السلطان في حماة.
***
-وحدَّثني قال: زرتُ الشيخ محمد بن أحمد الهاشمي أنا ومحمد رياض المالح ونحنُ صغارٌ، وكان يَسكن في أعلى "المهاجرين"، وحين أردنا الخروجَ سبقَنا وقدّم لنا الحذاءَ.
-قال: وكان -رحمه الله- في علم التوحيد لا نظيرَ له. وله نحو عشرة مؤلفات، منها "شرح شطرنج العارفين"، وأنا سمعتُ عليه كثيرًا من "نوادر الأصول"، وكتاب "الإحياء".
***
-وحدَّثني عن الأستاذ أحمد راتب النفاخ -في غالب ظنه- أنَّ الأمير عبدالقادر الجزائري حين تُوفي احتاروا في اختيار مكان دفنه، فقال الشيخ محمود حمزة مفتي دمشق: ادفنوه بجانب محيي الدين ابن عربي. وكان له قصدٌ في ذلك.
وبعد نقله إلى الجزائر دُفِنَ في قبره الشيخ محمد سُكَّر -مِنْ شيوخ القرّاء في دمشق-.
واعترضت السفارةُ الجزائريةُ في دمشق على الدفن في قبره -مع أنه قبرٌ خالٍ-، وتُلوفيَ الأمرُ بإبقاء شاهدة القبر الأولى التي فيها اسمُ الأمير، وكُتِبَ اسمُ الشيخ محمد سُكَّر على جانبٍ.
ومِنْ ذرية الأمير عبدالقادر: جعفر الحسني أمين عام مجمع اللغة العربية.
***
-وحدَّثني أن الشيخ بدر الدين الحسني كان يهتمُّ بالشباب كثيرًا، ويُقدِّمهم في الدروس اعتناء بهم.
-وحدَّثني أن والد الشيخ بدر الدين كان يُقال له: المغربي، ثم غلبتْ نسبة "الحسني" على الشيخ بدر الدين.
ومِنْ ذريته فخر الدين الحسني، وهو ابن عصام بن بدر الدين، وهو مدير دائرة الفتوى بدمشق، وهو شافعي المذهب.
قال: ويُقال: إن الشيخ بدر الدين كان شافعيًا، ولكن لم يكن يُظهر، وكان إذا سُئِلَ عن مذهبه يقول: يابَهْ نحنُ عوام.
***
-وحدَّثني قال: لم أرَ في المنسوبين مثل رجلين:
الشيخ سعيد حمزة، وكان على مستوى عالٍ من اللين والتواضع، وكنتُ أزورُهُ وأنا شابٌّ فيَخرج معي إلى الباب.
والثاني: فخر الدين الحسني وكان لا يُخاطبني إلا بـ: مولانا!
وهذا الذي ذكرتُه إنما هو بسبب اختلاطي بهما، وإلا فالمتواضعون كثيرون.
***
-وقال: بعضُ القبور نشأتْ عن رؤيا رآها بعض المشايخ! وأعجبُ لإقامة مبانٍ وقبابٍ في دمشق على قبورٍ لا حقيقة لها كقبر حفصة أم المؤمنين!
وقال: في المقبرة التي بجانب "جامع محيي الدين" كثيرٌ مِن ولاة دمشق كانوا يُدفنون هناك طلبًا لجوار محيي الدين ... وقد جردتُ تلك القبور كلها وسجلتُ الأسماءَ للتاريخ ... وذلك كله في كتابي عن جامع الشيخ محيي الدين.
***


حصاد المجالس. أخبار وحكايات. تاريخ دمشق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع